Author

ذروة الإنتاج أم ذروة الطلب؟ «1»

|
مختص في شؤون الطاقة
ذكرت في كثير من المقالات أن استشراف المستقبل في جميع المجالات هو صناعة وليس ترفا فكريا، وأن استشراف مستقبل النفط لا يصب في مصلحة المنتجين فحسب، بل يمتد ذلك إلى المستهلكين وأرباب صناعة النفط والخدمات المساندة لها، بدءا من صناعة المنبع، ومرورا بالصناعة الوسيطة، حتى صناعة المصب. الخطط الاستراتيجية لن تكتمل أركانها، وتتحقق أهدافها المرجوة إلا بوجود مراكز معدة تقوم بصناعة دراسات مستقبلية استشرافية مبنية على بيانات ذات جدوى، يقوم بمعالجتها مختصون فينتج عن ذلك معلومات ذات قيمة تغذى بها هذه الدراسات، فتنعكس إيجابا على مخرجاتها ودقتها. مخرجات الدراسات الاستشرافية ليست مسلمات ذات طبيعة جامدة، بل يجب أن تتصف المراكز المختصة بهذا النوع من الدراسات بالديناميكية ومتابعة المتغيرات، التي تطرأ على مدخلات المواضيع محل الدراسة دوريا لتقييمها وتقويمها، فالواقع قد يختلف بصورة كبيرة عن مخرجات هذه الدراسات الاستشرافية. في هذه السلسلة من المقالات سأسلط الضوء - بإذن الله تعالى - على نظرية ذروة الإنتاج، وما يطرح حاليا بزخم إعلامي قوي عن ذروة الطلب، وهل ما يتم طرحه حول ذروة الطلب على النفط مسلمات؟ أم قد تتغير هذه التوقعات لبلوغ هذه الذروة مثل ما حدث في ذروة إنتاج النفط وتوقعات بلوغ ذروته؟ ماريون كينج هوبرت الدكتور الأمريكي وعالم الجيولوجيا من أوائل من قال بفكرة ذروة الإنتاج، التي تسمى نظرية قمة هوبرت. وضع هوبرت نموذجا واستنتج أن إنتاج النفط من أي حقل يمر بمنحنى يشبه الجرس، بمعنى أن معدل إنتاج النفط يزداد بشكل تدريجي مع اكتشاف مكامن جديدة حتى يصل إلى الذروة، فيبدأ بعدها معدل إنتاج النفط في الهبوط، ثم يصل إلى الجفاف ونهاية عمر الحقل. ذكرت سابقا أن لبئر النفط شهادتي ميلاد، ووفاة، تمر بينهما البئر بكثير من الوعكات الفنية والطبيعية. توسع هوبرت في هذه النظرية لتشمل جميع حقول النفط الموجودة في المنطقة، ما يعني أن معدل الإنتاج في أي حقل نفطي يتصاعد تدريجيا إلى أن يصل إلى الذروة ثم يبدأ بعدها بالهبوط. امتدت نظرية هوبرت ليربط هذا المنحنى بمنحنى آخر يخص اكتشاف النفط، فلاحظ أنها هي الأخرى تتبع النمط نفسه من التصاعد في معدل اكتشاف مكامن نفطية جديدة، إلى أن تصل هذه الاكتشافات إلى ذروتها قبل أن تبدأ في التباطؤ وانخفاض معدل الاكتشافات الجديدة. النتائج التي توصل إليها هوبرت حول دراسة نمط كل حقل على حدة أدت إلى توسعه في تطبيقها لتشمل الولايات المتحدة بجميع حقولها، وقد استشرف هوبرت عام 1956 أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة سيبلغ ذروته عام 1965، وكحد أقصى عام 1970. بالعودة للأرقام التاريخية لإنتاج النفط في الولايات المتحدة، نجد أن توقع هوبرت كان صحيحا، حيث إن معدل إنتاج النفط بدأ بالهبوط بعد عام 1970 وكانت كمية الإنتاج في ذلك العام نحو تسعة ملايين برميل يوميا ما عزز فرضيته. كما ذكرت سابقا أن الدراسات المستقبلية ليست مسلمات، فهل نجح هوبرت ومن حذا حذوه في استشراف التطور التقني لرفع كفاءة الإنتاج؟ نكمل ما بدأناه في المقال المقبل من هذه السلسلة -بإذن الله.
إنشرها