ثمن الأمانة
ربما كنت من الناس الذين فقدوا فرصة أو فرصا بسبب الفساد الإداري، قد تكون موظفا أمينا لم يجد له مكانا وسط منظومة فاسدة شاء الله تعالى لك تماسا معها، لتصبح منبوذا توصف بـ"المعقد" فتشعر بالوحدة والفشل وسط جزيرة من "الناجحين"! فإما أن تستقيل أو يكون مصيرك "الركن" في مكتب هامشي، وربما تكون رجل أعمال ذا ضمير حي يرفض الرشوة فلا تقبل التوقيع على رقم لا تحصل إلا على بعض منه، ليذهب الباقي من المال العام لمن لا يستحق، والنتيجة خسارة عقد أو صفقة. هذا واقع لم تكن الأغلبية تستطيع مواجهته، فليس من السهل إثبات كل ما يعرف، حتى عند إنشاء هيئة مكافحة الفساد "نزاهة" كانت بداياتها محصورة بالتوعية ومخاطبة "الوازع" بنصب لوحات تذكيرية على أمل بث الروح فيه. لاحقا، ثبت أن هذه الأسلوب لم يحقق نجاحا، بل ربما تحقق منه عكس المنشود، إلا أن هذا الواقع أصبح من الماضي مع زخم شفافية في إعلان مواجهة الفساد بقضايا واضحة المعالم، يلمس المواطن نشاطا مميزا، ففي مكافحة الفساد حماية للنزاهة، وهيئة مكافحة الفساد تعيش عملا دؤوبا في الكم والكيف، جهود مؤثرة لا تتردد في الكشف عن مواقع الفساد لتعلن بوضوح، فمن كان في السابق يستطيع الإشارة إلى فساد في القضاء أو وزارات مثل الداخلية أو الدفاع بل حتى التعليم والبلديات؟!.
بيانات "نزاهة" المتتالية عن أحكام صدرت في حق متهمين بقضايا فساد واستغلال نفوذ وظيفي لم تأت من فراغ، بل كانت وراءها إرادة سياسية قوية مكنت الهيئة من القيام بعملها. الحزم والعزم في مواجهة الفساد من الخطوط العريضة لعهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وكانت لحظة إعلان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان العزم على ملاحقة الفاسدين دون استثناء، لحظة فاصلة في تاريخ مواجهة أخطبوط الفساد.
للأمانة ثمن يدفعه الإنسان النظيف مقتنعا بيقين أنه على الطريق المستقيم، وكل ما بدا له هاجس يعتريه "فرصة ضاعت"، هي في الحقيقة شراك وفخاخ قاتلة أنجاه المولى منها فليحمد الله تعالى ولينظر بابتهاج إلى منظومات الفساد كيف تتهاوى، ولا بد أن نشاط "نزاهة" الملموس سيدفع بالمترددين إلى الإبلاغ عن حالات فساد، فهذا من الوقوف معها في مهمتها الوطنية الجليلة.