أخبار

طهران .. حرائق الداخل تؤذن بنهاية أذرع الخارج

طهران .. حرائق الداخل تؤذن بنهاية أذرع الخارج

الوضع يتغير بعد أن اعتاد أصحاب العمائم إشعال الحرائق بعيدا عن ديارهم.

تعيش إيران منذ نحو شهرين على وقع سلسلة من التفجيرات، كانت منشآت نووية وصاروخية وصناعية مسرحا لها، فلا يكاد الأسبوع ينقضي دون أن يهتز موقع حيوي، في كبرى الحواضر الإيرانية، بفعل تفجير أو جراء حريق.. حوادث لا تزال التحقيقات مفتوحة بشأنها، فحتى اللحظة، لم تقدر السلطات الإيرانية على توجيه أصابع الاتهام إلى جهة معينة، وإعلان مسؤوليتها عما يجري طيلة أسابيع في الداخل الإيراني.
تعود بداية هذا المسلسل إلى أواخر الشهر الماضي، حين وقع انفجار ضخم في مصنع لإنتاج الصواريخ في موقع بارشين العسكري، أضاء العاصمة الإيرانية طهران، تزامن مع حدوث حريق هائل في محطة للطاقة في منطقة شيراز، أعقبه بعد أربعة أيام انفجار في مركز طبي في العاصمة طهران، واندلع حريق كبير، في الثاني من هذا الشهر، في قسم تجميع أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز النووية، تلاه بعد يومين حريق آخر في محطة الأحواز، ثم انفجار في خزانات الأكسجين في المنطقة الصناعية في باقر شهر، بعد 36 ساعة، يقع انفجار في مستودع الصواريخ التابع للحرس الثوري غرب العاصمة طهران، ثم انفجار آخر في منشأة شهيد للمواد البتروكيماوية بعد يومين، يتبعه احتراق سبع سفن، على الأقل في ميناء بوشهر جنوبي إيران.
أثارت مجريات الأمور داخل جمهورية المرشد سجالا حادا وسط المراقبين، فوتيرة الهجمات الممنهجة على مواقع ومراكز حساسة متواصلة، لدرجة بدت فيها إيران شبه عاجزة عن السيطرة على أمنها القومي، وتلاشت حكاية السماء الإيرانية المدججة بالصواريخ الباليستية الجاهزة لصد أي هجوم، بعدما أضحى التراب الإيراني برا وجوا وبحرا مستباحا. في مقابل استكانة وضعف وعجز إيراني منقطع النظير، حتى بعد استهداف أغلى ما يملكه النظام في إيران، المنشأة النووية التي يسوق بها نموذج ولاية الفقيه في المنطقة.
أكثر من ذلك، لم تعلن طهران حتى اللحظة بشكل صريح وواضح عن حقيقة الأحداث، حيث تراوح في التفاعل معها بين الإنكار تارة، والاعتراف تارة أخرى مع التقليل من وقعها، فجل الحوادث المعترف بها حتى الآن حوادث عرضية، قدمت بشأنها المبرر المألوف ذاته، فهي إما نتيجة أخطاء بشرية أو بفعل عوامل تقنية، دون أي حديث من قريب أو بعيد عن هجوم خارجي أو ضربات أجنبية، من دول محور "الشر" والاستكبار العالمي بلغة مرشد إيران.
ويبقى اللافت للانتباه أن وكلاء إيران المحلين في الأقطار العربية، حزب الله وجماعة الحوثي والحشد الشعبي.. بدورهم تجاهلوا الأمر بشكل كلي، حيث تصرفوا وكأن شيئا لم يكن، بعدما دخلوا في حالة صمت رهيب، فقد تحاشى الجميع الإشارة إلى المدبرين، على الرغم من أنهم درجوا على تحميل الشيطانين الأكبر والأصغر "أمريكا وإسرائيل"، تبعات أي حادثة مهما كانت صغيرة، تصيب قلعة المرشد الأعلى، والتهديد برد انتقامي، يبقى في أغلب الأحيان مجرد كلام لدغدغة مشاعر الأنصار وعواطف الحواريين.
يحدث هذا في ظل أزمة اقتصادية خانقة، جراء العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي أطاحت بنحو 70 في المائة من قيمة العملة المحلية، وعجز سياسي فاضح للحكومة الإيرانية، نتيجة فشلها الذريع في مواجهة جائحة كورونا، فالغضب والإحباط الاجتماعي كبيران في أوساط الإيرانيين، بعدما تحدث الرئيس روحاني عن احتمال بلوغ عدد المصابين نحو 25 مليون فرد، فيما تعدت أعداد الوفيات عتبة 15 ألف إنسان إيراني، بسبب فيروس كورونا.
وفي ظل تساقط العواصم العربية التي كانت طهران تفاخر بالسيطرة عليها، فقد باتت الدول التي أرادها المرشد ضمن أهداف مشروع الهيمنة الإقليمي، رموزا للجوع والفوضى وبؤرا للفساد والإفلاس، ما مثل انتكاسة كبرى لخطط ولاية الفقيه في المنطقة، فتوالي الهزائم في الخارج، وتضييق الخناق على أذرع إيران في المنطقة، إضافة إلى انسداد الأفق بالنسبة إلى فئات عريضة من المجتمع الإيراني، عوامل بعثرت إلى حد كبير أوراق صناع القرار من حول المرشد في طهران.
عودا إلى تلك الوقائع، وعلى فرض صحة الخطاب الإعلامي القائل إن تلك الحوادث المتكررة بصورة منتظمة، حوادث عابرة أسهم فيها بالدرجة الأولى الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، بمعية بعض الأخطاء البشرية، فيما الوضع الإجمالي للدولة تحت السيطرة، فتلك مصيبة في حد ذاتها، كون رجال المرشد يعترفون طوع إرادتهم بكون البنية التحتية، لدى دولة تعد نفسها قوة إقليمية، قد أصبحت متهالكة، وأن الإدارة الحكومية باتت مفككة، علاوة على إخفاق الحرس الثوري حامي حمى إيران.
وإذا ما كانت الحال عكس ذلك، وهذا الأقرب إلى الصواب، حيث يرجح أن يكون الأمر عبارة عن هجوم أجنبي منسق ومحدد الهدف، وهذا ما تحاول إيران تجاهله أو التغاضي عنه، حتى لا يكون المرشد في حرج من أمره، فالاعتراف بالهجوم يستوجب ردا عمليا، وهو ما لا ترغب طهران في حدوثه مطلقا، فخامنئي يتقن فقط الزج ببعض العرب من أمثال حزب الله في لبنان والحوثي في اليمن والحشد الشعبي في العراق في أتون حروبه العبثية المستندة إلى شعارات المقاومة والممانعة الكاذبة.
يبدو أن الاستراتيجية الإيرانية، بعد حرب الأعوام الثمانية ضد العراق أوشكت على نهايتها، بعدما عمدت طيلة مسارها على تثبيت نفسها كقوة إقليمية إلى استراتيجية القتال بالأذرع الخارجية لبيان قوتها الإقليمية، وفي ذلك بحسب طهران رسالة إلى بقية الدول المجاورة من ناحية، وفرصة لحماية وصون الساحة الداخلية من أي قتال مع الآخرين، حتى لا يؤثر الصراع في زعزعة الصف الداخلي. لكن ما حصل أخيرا من تفجيرات استهدفت مواقع حساسة في الداخل الإيراني، يعد تحولا كبيرا، يعطي انطباعا بأن هنالك استراتيجية جديدة قيد التبلور، لم يعتد عليها صناع القرار في طهران، لذا بدا النظام الإيراني عاجزا عن التعامل مع ما يجري في الدولة، فأصحاب العمائم اعتادوا على إشعال الحرائق بعيدا عن ديارهم.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار