Author

محاربة الفساد وأثره في الاقتصاد

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
حالة لا تتوقف من محاربة الفساد والفاسدين في مختلف القطاعات وعلى مختلف المستويات، تشهدها المملكة اليوم، فالعمل مستمر من قبل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد للوصول إلى كل فاسد ومحاكمته بالعدل، ورد الحق لمستحقه، وردع كل من تسول له نفسه الاستهانة بموضوع الاعتداء على المال العام أو اتخاذ أي قرار يخالف الأنظمة ويضر بالمجتمع والاقتصاد الوطني. وقد صدرت مجموعة قرارات ابتدائية، وأشارت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد إلى ثماني قضايا تتعلق بمختلف القطاعات الحكومية، في إشارة إلى عدم وجود حصانة لأحد ارتكب أي عمل مخالف للأنظمة واعتدى على المال العام أو أساء استخدام نفوذه الوظيفي بأي شكل من الأشكال. ولا يقتصر الأمر على مستوى معين من الوظائف، بل الجميع معرض للمحاسبة، حيث إن تنوع القضايا والمتهمين فيها يدل على أن هناك عملا وجهودا كبيرة في محاربة الفساد والفاسدين، حيث يتم الحد من أشكال الفساد ويكون لدى كل فرد رادع من أن يتخذ أي خطوة يمكن أن تتم محاسبته عليها لو يقتصر الأمر على حالات الفساد الحالية، بل تتم محاسبة من يثبت عليه أي قضية فساد ولا يسقط ذلك بالتقادم.
كما أنه لا بد من الإشارة إلى أن محاربة الفساد التي تقوم بها المؤسسات الحكومية اليوم، ذات الاختصاص، ليست شكلا من أشكال الاعتداء على الحقوق، إذ إنها جهات مخولة، وهناك درجات للتقاضي ليتمكن المتهم من اتخاذ جميع الوسائل التي يمكن من خلالها الدفاع عن نفسه دون أن يكون هناك إجحاف في العقوبة، بل تتم المسألة وفق إجراءات لا تسمح بظلم المتهم. ولعله يمكن الإشارة هنا إلى التعاون المجتمعي مع الجهات المختصة، بحسب إفادة رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في بعض مقابلاته، وبعض تصريحات الهيئة، مع الالتزام بمكافحة الإجراءات التي تحد من اتخاذ أي إجراء بحق شخص بريء أو يكون ذلك وسيلة للانتقام غير المشروع.
مكافحة الفساد - بلا شك - مطلب للإصلاح الاقتصادي الذي تشهده المملكة اليوم في مختلف المجالات، فتكلفة الفساد كبيرة ومرهقة للاقتصاد، فكما نعلم أن ريال الفساد يكلف المؤسسات الحكومية كثيرا. ولعل من أهم آثار الفساد المباشرة وغير المباشرة، ارتفاع تكلفة المشاريع وتكلفة تقديم الخدمات الحكومية، وقد أشار كثير من الدراسات إلى أن هناك تكلفة كبيرة للفساد على الاقتصاد، فما يتم دفعه رشا - مثلا - يتم احتسابه ضمن تكلفة المشاريع، بل قد تضاف تلك التكلفة إذا ما كان هناك تفضيل غير منطقي لجهة على أخرى، حيث ترتفع تكلفة المشاريع والخدمات بنحو أعلى من تكلفة الرشا والعمولات غير المشروعة، كما أن الإشكالية الأخرى أن هذه الجهات التي تتقدم برشا ووسائل غير مشروعة للحصول على المشاريع، يكون الالتزام بالمواصفات فيها أقل، حيث من يقدم الرشا والعمولات بشكل غير مشروع لا يمكن أن يتحلى بالأمانة، وسيجد نفسه دائما ما يحاول التخفيض في تكلفة مصروفاته على حساب كفاءة المشاريع، حيث يؤدي إلى ضعف تكلفتها، وبالتالي انخفاض عمرها الافتراضي والزيادة في تكلفة الصيانة لها.
الفساد له دور كبير في تنفير الكفاءات عن القطاعات الحكومية، والقطاع الخاص الذي يغلب عليه الفساد، إذ يفقد هؤلاء الفرص التي يستأثر بها الفاسدون، وبالتالي فإن نتائج ذلك أكبر مما يمكن أن نتصور على الاقتصاد الوطني. لذا، من المهم في هذه المرحلة تعاون الجميع مع الجهات الحكومية ذات العلاقة بمكافحة الفساد لمنع الفساد ومحاسبة الفاسدين في مختلف الجهات، إذ إن ذلك له دور في نجاح خطط التنمية وبناء مجتمع صالح يجد فيه أبناؤنا الفرص، ويتفوق اقتصاديا وتنمويا بما يحقق التنمية المستدامة للمجتمع، ويكون جاذبا للكفاءات والمواهب. كما أن تعاون المواطن وفق الأنظمة والإجراءات المرعية، سيكون له دور كبير في إصلاح المؤسسة التي يعمل أو له علاقة بها. كما أنه يمكن الإشارة إلى أن مكافحة الفساد له أثر في الإنفاق على الخدمات التي يحتاج إليها المواطن، مثل التعليم وغيره من القطاعات، فهو في الحقيقة إصلاح شامل لجميع القطاعات في المجتمع.
الخلاصة، إن إعلان حالات الفساد التي شهدها بعض المؤسسات، وفي قطاعات مختلفة، إشارة إلى السعي الحكومي إلى محاربة الفساد في مختلف القطاعات، ومنع أشكال الفساد من مختلف المستويات، بما يؤدي بشكل تلقائي إلى تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والكفاءة في تنفيذ البرامج التنموية.
إنشرها