Author

أوروبا .. وآخر سفينة إنقاذ 

|

شهدت أوروبا أعنف أزمة اقتصادية في تاريخها، على خلفية توقف الأنشطة العملية بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، ويتوقع الخبراء أن يشهد اقتصاد الاتحاد الأوروبي أعنف تراجع منذ تأسس الاتحاد، فبدءا من الآن تعاني طلبات السلع انخفاضا ملحوظا ومشكلات لوجستية، ما دفع عديدا من المصانع التجارية في أوروبا إلى إيقاف إنتاجها. لذا، لم يكن سهلا توصل قادة الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق حول خطة الإنقاذ الاقتصادية لدول هذا الاتحاد، فهناك اعتراضات على بعض التفاصيل من عدد منها، كما أن التحفظات حول بعض النقاط، كانت معلنة أصلا حتى قبل أن يطرح موضوع الإنقاذ أو التحفيز للنقاش. واعتاد الاتحاد على مثل هذه الخلافات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بخطط إنقاذ أو تمويل العجز، أو انتشال بعض الدول من الانهيار الاقتصادي، كما حدث قبل عشرة أعوام مع اليونان، البرتغال، إسبانيا، وإيرلندا.

المهم الآن، أن قادة أوروبا اتفقوا على حزمة جاءت على شكل صندوق تعاف بقيمة 750 مليار يورو، وهذا الصندوق يضاف إلى ميزانية الاتحاد بعيدة المدى لفترة 2021 و2027 البالغة قيمتها 1074 مليار يورو، توزع إلى 154 مليار يورو في العام. كل هذا يأتي بسبب الأزمة الاقتصادية العنيفة، التي يشهدها العالم أجمع، جراء تفشي وباء كورونا المستجد، فصندوق التحفيز ومعه الميزانية الأوروبية المشار إليها، ليسا سوى "رد على هذه الأزمة الأعمق في تاريخ الكتلة الأوروبية"، بحسب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

بالطبع، المساعدات ستمنح للدول الأوروبية الأشد تضررا من جراء الوباء وتبعاته، وهي في النهاية تمثل دينا مشتركا يتعين على الدول الـ27 سداده بصورة جماعية. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال التعافي الاقتصادي المأمول بعيدا على الساحة الأوروبية والدولية عموما، لكن بلا شك ستكون خطة التحفيز المشار إليها أداة لتعاف اقتصادي تدريجي، لأن التعافي الكامل لن يتحقق قبل نهاية العام الجاري. ويأمل الأوروبيون، في أن يبدأ هذا التعافي بالظهور على الساحة في النصف الثاني من العام الحالي، وإن كان الأمر بشكل حذر وبطيء.

لا أحد يعتقد أن خطة تحفيز كهذه أو حتى خطة أكبر منها، ستحل الأزمات الاقتصادية، التي تواجهها الدول المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي، فمسألة التعافي والخروج من أعمق ركود يشهده العالم منذ أكثر من 80 عاما، لن تكون سهلة. فحتى الاقتصادات التي تتمتع بقوة مالية ونمو معقول قبل الأزمة الاقتصادية الراهنة، تحضر نفسها لمسيرة طويلة نحو الانتعاش، خصوصا في ظل تحولات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك توقف قطاعات بأكملها عن الحراك إلى الأبد، فضلا عن ارتفاع البطالة إلى مستويات تاريخية هائلة، أضافت أعباء كبيرة على الموازنات العامة التي تعاني أصلا عجزا منذ عقود.

فضلا عن زيادة حجم الديون السيادية في معظم الدول، بما فيها تلك، التي تستند إلى أسس اقتصادية ثابتة وراسخة. الأمر ليس أفضل على الساحات الأخرى في العالم، لكن في ميدان الاتحاد الأوروبي، كان النمو بطيئا حتى قبل الأزمة، التي أوجدها كورونا، إلى جانب المعارك التجارية بين هذه الكتلة من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، إلى جانب الآثار النفسية والاقتصادية لانسحاب بريطانيا من الاتحاد، الذي سيتم نهائيا في اليوم الأخير من العام الجاري.

ولأن الوضع هكذا، سيكون صندوق التحفيز الأوروبي بمنزلة سفينة الإنقاذ الوحيدة لاقتصاد المنطقة كلها، وهذا ما يفسر التعافي السريع جدا للأسواق الأوروبية، فور إعلان الاتفاق في القمة الأوروبية حول الصندوق المشار إليه، فقد وصلت الأسهم الأوروبية إلى أعلى مستوياتها في أربعة أشهر، ما يؤكد مجددا أن الاقتصاد الأوروبي لا يمكنه أن يمضي قدما نحو التعافي إلا باتفاق تام، وسخاء ضروري، ولا سيما في وقت الأزمات. ولا شك أن التوصل إلى هذا الاتفاق، يعزز مجددا تمسك القادة الأوروبيين بهذا التكتل، الذي شككت أطراف أوروبية، بما فيها الحكومة الإيطالية، في جدوى وجوده في أعقاب الفشل في مواجهة الأيام الأولى لانفجار الجائحة.

إنشرها