FINANCIAL TIMES

ما الذي ينتظرنا .. جبل جليدي بحجم بريطانيا آخذ في الذوبان

ما الذي ينتظرنا .. جبل جليدي بحجم بريطانيا آخذ في الذوبان

ما الذي ينتظرنا .. جبل جليدي بحجم بريطانيا آخذ في الذوبان

عالمان يجريان أبحاث على جبل ثويتس الجليدي في القطب الجنوبي.

حتى بحسب معايير أنتاركتيكا (القطب المتجمد الجنوبي)، هناك عدد قليل من الأماكن النائية والعدائية مثل الجبل الجليدي ثويتس جلاسير Thwaites Glacier. يبعد أكثر من ألف ميل عن أقرب قاعدة بحثية، وتضربه العواصف التي يمكن أن تستمر لأسابيع، مع درجة حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية تحت الصفر في فصل الشتاء، ويمكن مقارنة العمل على الجبل الجليدي في بعض الأحيان بالعمل على القمر.
حفنة من الأشخاص فقط وطئت أقدامهم جبل ثويتس قبل العام الماضي. ربما أكثر من أي مكان آخر في العالم، يحمل هذا الجبل الجليدي أدلة مهمة حول مستقبل الكوكب. وهو الآن محور مشروع بحثي كبير، بقيادة فرق بريطانية وأمريكية، في الوقت الذي يتسابق فيه العلماء لفهم كيف يتغير الجبل الجليدي - الذي بحجم بريطانيا ويذوب بسرعة - وما الذي يعنيه هذا لمدى ارتفاع مستويات سطح البحر خلال حياتنا.
يقول روب لارتر، عالم الجيوفيزياء البحرية والمحقق الرئيس البريطاني في مشروع جبل ثويتس الجليدي في بعثة المسح البريطاني للقارة القطبية الجنوبية: "إنه المكان الأكثر ضعفا في أنتاركتيكا". يأخذ خريطة ويشير إلى أجزاء من الجبل الجليدي المتدهور التي انفصلت منذ فترة ويقول: "كثير من هذا لم يعد هناك".
العلماء الذين يدرسون جبل ثويتس يبذلون جهودا مضنية للغاية لإجراء أبحاثهم. جوانا جونسون عالمة الجيولوجيا قضت ثمانية أسابيع في مشاركة خيمة مع شخص واحد آخر فقط في منطقة جبل ثويتس في وقت سابق من هذا العام.
تقول السيدة جونسون، وهي أيضا ضمن بعثة المسح البريطاني للقارة القطبية الجنوبية: "إذا حدث خطأ ما، تكون بعيد جدا جدا عن المساعدة". التفاهم مع زميلك أمر بالغ الأهمية من أجل النجاة. "على الرغم من أنك في عزلة، إلا أنك في الواقع لست منعزلا على الإطلاق، لأن لديك هذا الشخص معك لمدة 24 ساعة في اليوم".
تقول إن النسخة المتطرفة من الإغلاق لم تكن سيئة جدا. "أنا أستمتع فعلا بهذا النوع من العالم، أنا أستمتع بالعزلة، والشعور بأنك متحد مع المناظر الطبيعية". لكن الوضع في جبل ثويتس الجليدي أكثر إثارة للقلق. تقول جونسون: "الجبل الجليدي يتغير بسرعة كبيرة في الوقت الحاضر، لدرجة أننا نشعر بالقلق أنه سيذيب كثير من الجليد في البحر. إنه غير مستقر تماما، يمكنك رؤية ذلك عندما تطير فوقه، مع كثير من التصدعات".
جونسون تدرس الصخور تحت الجبل الجليدي، التي ستساعد على الكشف عن تاريخه. معرفة مزيد عن سلوك جبل ثويتس في الماضي، كما توضح، ينبغي أن تساعد العلماء على التنبؤ بطريقة استجابته لمناخ أكثر دفئا في المستقبل. بحثها هو جزء من التعاون الدولي حول جبل ثويتس الجليدي، وهو مجهود رصد له 20 مليون جنيه ويقوم به علماء بريطانيون وأمريكيون ويعد واحدا من مشاريع الأبحاث الأكثر طموحا في القارة القطبية الجنوبية.
لكن فهم جبل ثويتس الجليدي ليس أكاديميا فحسب - إنه أمر حاسم للتنبؤ بالكيفية التي سيؤثر بها ارتفاع مستوى سطح البحر في المدن، وكيف ينبغي أن نستعد لعالم مختلف بشكل جذري. إذا استمر جبل ثويتس الجليدي في التدهور، فعند نهاية القرن سيكون الجبل الجليدي مسؤولا عن سنتمترات أو عشرات السنتمترات من ارتفاع مستوى سطح البحر.
يقول ديفيد فون، مدير العلوم في بعثة المسح البريطاني للقارة القطبية الجنوبية: "هذا لا يبدو وكأنه رقم كبير، لكنه كذلك. الأمر لا يتعلق بوصول البحر إلى الشاطئ ببطء على مدى 100 عام - إنه يتعلق بصباح أحد الأيام عندما تستيقظ، وهناك منطقة لم تغمرها المياه قط عبر التاريخ وتجدها مغمورة بالمياه".

مخاطر انصهار الجليد

تحتوي أنتاركتيكا على نحو 90 في المائة من الجليد على كوكبنا، وهي تعادل قارة بحجم أوروبا مكسوة بغطاء ثلجي بسماكة كيلو مترين. في حين أن الكوكب يسخن بسبب تغير المناخ، إلا أنه لا يسخن بالتساوي في كل مكان: المناطق القطبية تدفأ بسرعة أكبر. وهذا يضع القارة القطبية الجنوبية وجرينلاند، المنطقة القطبية الشمالية الأصغر، تماما في مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري. منذ 1989 ارتفعت حرارته القطب الجنوبي بمعدل بلغ ثلاثة أضعاف المعدل العالمي، بحسب ورقة بحث نشرت الشهر الماضي.
في الوقت الذي يذوب فيه جليد القارة القطبية الجنوبية وتنزلق الجبال الجليدية نحو المحيط، يتمتع جبل ثويتس بموقع مركزي يحكم الطريقة التي تتصرف بها الجبال الجليدية الأخرى. في الوقت الحالي، جبل ثويتس الجليدي يشبه سدادة تدعم كثيرا من الجبال الجليدية الأخرى في غرب القارة القطبية الجنوبية. لكن العلماء يشعرون بالقلق من أن ذلك قد يتغير.
يقول بول كاتلر، مدير برنامج علم الجليد للقارة القطبية الجنوبية في مؤسسة العلوم الوطنية في الولايات المتحدة: "إنه حجر الزاوية للجبال الجليدية الأخرى في جميع أنحاء غرب القارة القطبية الجنوبية (...) إذا أزلته، فمن المحتمل أن يبدأ الجليد الآخر بالذوبان في المحيط أيضا".
جبل ثويتس الجليدي يصبح أرق وأصغر، فهو يفقد الجليد بمعدل متسارع "والسؤال الكبير هو عن مدى سرعة عدم استقراره. يبدو أنه يتأرجح عند الحافة"، كما يقول كاتلر.
جبل ثويتس في حد ذاته يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع مستويات سطح البحر نحو 65 سنتمترا عندما يذوب. لكن إذا ذاب جبل ثويتس، فإن الآثار الجانبية عبر النصف الغربي للقارة القطبية الجنوبية ستؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بما يراوح بين مترين وثلاثة أمتار، كما يقول كاتلر، وهو ارتفاع سيكون كارثيا لمعظم المدن الساحلية.
في الوقت الحالي يقول مصممو نماذج المناخ إن مستويات سطح البحر سترتفع بما يرواح بين 61 سنتمترا و110 سنتمترات بحلول نهاية القرن، على افتراض أن العالم سيواصل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بالمستويات الحالية. لكن إذا انهار جبل ثويتس الجليدي بشكل أسرع مما كان متوقعا، فإن مقدار ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب أنتاركتيكا يمكن أن يكون ضعف ما هو موجود في النماذج.
تأثير الجاذبية في المحيط يعني أن مستويات سطح البحر سترتفع أكثر في أماكن معينة. والزيادة في هذا النظام ستترك بعض المدن أكثر عرضة من غيرها، خاصة الساحل الشرقي من أمريكا الشمالية.

التأثير في المحيطات

الخبر السار هو أن القارة القطبية الجنوبية لا تذوب بهذا القدر، حتى الآن. فهي تسهم حاليا بنحو ملميتر واحد سنويا في ارتفاع مستوى سطح البحر، وهو ثلث الزيادة العالمية السنوية. لكن وتيرة التغيير في الجبال الجليدية مثل ثويتس تسارعت بمعدل مثير للقلق، على الرغم من أن الأمر قد يستغرق آلاف السنين ليذوب القطب الجنوبي نفسه.
مع زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى مستويات لم يشهدها البشر من قبل، يحاول الباحثون فهم طريقة تغير الكوكب. وتعد القارة القطبية الجنوبية محورية لهذه المهمة.
"القارة القطبية الجنوبية هي أكبر خطر حتى الآن"، من حيث الارتفاع الشديد لمستوى سطح البحر، كما يقول أندرز ليفرمان، الأستاذ في معهد بوتسدام لأبحاث التأثيرات المناخية، ومؤلف عدة أوراق بحث عن الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي.
السؤال الكبير ليس ما إذا كانت مستويات سطح البحر سترتفع، لكن ما مدى سرعة الارتفاع. يستغرق الجليد وقتا ليذوب، والحرارة تستغرق وقتا لتتوزع عبر النظام المناخي. لا يعرف الكثير عن الخصائص المادية للأغطية الجليدية وكيف تتدهور بمرور الوقت، لهذا السبب فإن فهم جبل ثويتس أمر بالغ الأهمية.
يشرح ليفرمان أن العوامل الفيزيائية المعنية تشبه وضع مكعب ثلج على طبق ومشاهدته يذوب. "من الصعب جدا معرفة مدى سرعة ارتفاع مستوى سطح البحر، لكن ليس من الصعب جدا معرفة مقدار الجليد الذي يمكن أن يعيش على كوكب أكثر حرارة بمقدار درجة مئوية أو درجتين أو ثلاث درجات، وإلى أي مدى سيتوسع المحيط".
على الرغم من انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير خلال عمليات الإغلاق في جميع أنحاء العالم، إلا أن التكهن على المدى الطويل ليس جيدا. يمكن أن يبقى ثاني أكسيد الكربون في الجو لمدة قرن أو أكثر، ولا تزال مستوياته تزيد ولا يزال الكوكب يصبح أكثر حرارة. شهدت الأشهر الأخيرة سلسلة من الأحداث الجديدة الكئيبة: الشهر الماضي كان حزيران (يونيو) الأكثر حرارة على الإطلاق. وفي تموز (يوليو)، وصلت موجة الحر في القطب الشمالي الروسي بالقرب من سيبيريا إلى رقم قياسي بلغ 38 درجة مئوية، ما أثار سلسلة من حرائق الغابات المدمرة.
كثير من عمليات الاحتباس الحراري التي تحدث على الكوكب "في أماكن يصعب الوصول إليها" فعليا - مثل الجليد البحري الصيفي في القطب الشمالي أو ذوبان التربة المتجمدة في سيبيريا - ما يعني أننا قد لا نتمكن من إيقافها أو عكسها. كل ما يمكننا القيام به هو إجراء الأبحاث عليها، وفهم ما تعنيه لحياتنا.
واحدة من أكثر الأدوات غير المتوقعة في مساعدة العلماء على ذلك البحث هي روبوت أصفر طويل يسمى Icefin. الروبوت المصمم للبحث عن الحياة الفضائية في يوروبا، أحد أقمار كوكب المشتري، تمت تجربته في جبل ثويتس الجليدي في كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير). وهو على شكل أسطوانة حتى يكون بالإمكان إنزاله عبر حفرة ضيقة في الجليد، ويحتوي على كاميرات وأجهزة استشعار كيماوية وماسحات سونار. وتتمثل مهمته في الوصول إلى قاع الجبل الجليدي، حيث يلتقي الجليد مع الطبقة السفلى التي يحدث فيها معظم الذوبان.
"هذه الأداة يمكن أن تدخل إلى أماكن لا يمكن أن يصل إليها أي شيء آخر فعلا"، كما تقول بريتني شميدت، رئيسة فريق Icefin والأستاذة المساعدة في معهد جورجيا للتكنولوجيا.
اكتشف فريق Icefin وفرق أبحاث أخرى أن المحيط، وليس الهواء، هو الجاني الحقيقي وراء ذوبان جبل ثويتس الجليدي. مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب بسبب تغير المناخ، يمتص المحيط معظم الحرارة الزائدة.
في القارة القطبية الجنوبية، الغطاء الجليدي الذي يغطي القارة مستقر الآن، ويحدث الذوبان في الأساس حول الحواف، حيث يلتقي الجليد بالبحر. هذا المحيط الدافئ له تأثير كبير في جبل ثويتس الجليدي، لأن معظمه يقبع عند الطبقة السفلى تحت مستوى سطح البحر. الجزء السفلي من الجبل الجليدي، الأقرب إلى المحيط، يعمل مثل فلين زجاجة، يمنع بقية الجليد من التدفق إلى البحر.
يقول فون: "إذا تمت إزالة ذلك الجليد، وهو الفلين، فستحدث الفرقعة، وما يتبع ذلك هو اندفاع كبير من الجليد الذي يأتي خلفه".

بناء الدفاعات

مخططو البنية التحتية حول العالم في صراع مع تحدي ارتفاع مستويات سطح البحر، وهو أمر معقد بسبب عدم اليقين الذي ينطوي على ذلك. هل ينبغي أن يستعدوا لارتفاع مستوى البحر بمقدار 50 سنتمترا، أو ضعف ذلك المستوى؟ معرفة مزيد عن جبل ثويتس الجليدي ستساعد على الإجابة عن ذلك السؤال - لكن الإجابات قد لا تصل في الوقت المناسب.
تنفق المدن الساحلية في الأصل مئات الملايين من الدولارات للاستعداد. تبني سان فرانسيسكو دفاعات حول مطارها، الذي يرتفع عشرة أقدام فقط فوق مستوى سطح البحر. ويعمل المسؤولون في لندن على تحديد موعد زيادة ارتفاع حاجز نهر التيمز. في الوقت نفسه، كانت جاكارتا تبني سلسلة من الجدران البحرية لحماية نفسها، على الرغم من أن هذا لم يكن كافيا لدرء الخطط الحكومية لنقل العاصمة الإندونيسية بأكملها.
التكلفة الاقتصادية لارتفاع البحار هائلة: ما يصل إلى 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول نهاية القرن، وذلك وفقا لدراسة نشرت في وقت سابق من هذا العام في مجلة اتصالات الأبحاث البيئية. ارتفاع مستويات البحر يعني مزيدا من الفيضانات الساحلية، والبنية التحتية المدمرة، ومزيدا من العواصف، وتدمير الأراضي الزراعية المنخفضة، نتيجة تدفق مياه البحر المالحة.
يقول توماس شينكو، مؤلف الدراسة والباحث في المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية، إن الاستعداد المسبق لارتفاع البحار هو أكثر كفاءة من الناحية الاقتصادية بكثير من الانتظار للتعامل مع آثاره. يضيف: "إذا لم نتكيف، فسنواجه خسائر فادحة".
لكن الاستعداد صعب إذا لم يعرف المخططون ماذا يتوقعون. يقول كاتلر، من مؤسسة العلوم الوطنية في الولايات المتحدة: "الأمر يتعلق فعلا بمنح المجتمع شعورا أكثر دقة بمدى الحجم والسرعة. ما مدى إلحاح هذا التحدي - ما الذي ينتظرنا بالفعل، بناء على الجمود في النظام المناخي العالمي بالكامل؟".
مع انتشار فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، تم تقليص المشاركين في الموسم البحثي المقبل في القارة القطبية الجنوبية - عادة من كانون الأول (ديسمبر) إلى شباط (فبراير) - إلى عدد قليل جدا من الأشخاص. أنتاركتيكا هي القارة الوحيدة التي لا توجد فيها أي حالات إصابة بفيروس كورونا، والفرق البحثية مصممة على إبقاء الأمر على ذلك النحو.
بالنسبة لجبل ثويتس الجليدي، هذا يعني أن فرق البحث والسيدة جونسون سيتعين عليهم الانتظار فترة أطول قليلا للحصول على جميع الإجابات. تقول عالمة الجيولوجيا التي تصر على أنها ستعود إلى الجبل الجليدي ذات يوم: "ما زلنا لا نعرف كثيرا عن جبل ثويتس. معظم اكتشافاتنا لم تأت بعد".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES