تواجه الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى من قارة أمريكا الجنوبية والشمالية مثل البرازيل التفاوت، والانقسام السياسي حتى إنها تخلت بالفعل عن أي استراتيجية وطنية متماسكة لمكافحة الفاشية المرضية. وقد جرى تحويل جميع المسؤوليات إلى حكومات الولايات والحكومات المحلية، التي تركت لتتولى أمر نفسها. في بعض المناسبات احتشد محتجون يمينيون مدججون بالسلاح في عواصم الولايات لمعارضة القيود المفروضة على نشاط الأعمال والتنقل الشخصي. حتى أقنعة الوجه تحولت إلى أداة سياسية حكومية، وأخيرا قال بعض المسؤولين، إن الناس يرتدونه لمجرد الإعراب عن رفضهم له، والآن نشهد انتشار الفيروس بشدة في ظل التنافس الانتخابي بين الرئيس ترمب ومنافسه بايدن من خلال الولايات الحمراء الجمهورية، بعد أن بدأ في الولايات الساحلية الزرقاء الديمقراطية.
وتحاكي البرازيل والمكسيك السياسة الأمريكية. فقد تحول بولسونارو والرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور إلى حاكمين شعبويين خالصين في قالب ترمب، فهما يسخران من الفيروس، ولا يسمعان نصيحة الخبراء، ويستخفان بالمخاطر، ويتباهيان برفض الحماية الشخصية. وهما أيضا يقودان بلديهما إلى خطر اقتصادي بسبب الظروف الصحية الحالية.
باستثناء بعض الدول اللاتينية وقلة من الأماكن الأخرى، يجتاح الفيروس دول أمريكا الشمالية والجنوبية، لأن نصف الكرة الأرضية الغربي بأسره تقريبا يشترك في إرث التفاوت الجماعي والتمييز العنصري المتفشي. حتى تشيلي التي تتمتع بحكم رشيد وقعت فريسة للعنف وعدم الاستقرار في العام الفائت، بسبب ارتفاع مستوى التفاوت المزمن. في هذا العام عانت تشيلي إلى جانب البرازيل والإكوادور وبيرو أعلى معدلات الوفاة في العالم بسبب كوفيد - 19.
من المؤكد أن التفاوت بين الناس ليس حكما بالإعدام. فالصين أيضا تتسم بالتفاوت إلى حد ما مع معدل جيني عند مستوى 38.5، لكن حكومتها الوطنية وحكومات الأقاليم تبنت تدابير المكافحة الصارمة بعد الفاشية الأولى في ووهان فقمعت الفيروس في الأساس. وكانت الفاشية الأخيرة في بكين بعد أسابيع من تراجع الحالات الجديدة المؤكدة إلى الصفر سببا في تجديد عمليات الإغلاق وإجراء الاختبارات بشكل مكثف.
لكننا رغم ذلك نشهد مرة أخرى في معظم الدول الأخرى التكاليف الباهظة المترتبة على التفاوت الجماعي: الحكم العاجز، وانعدام الثقة الاجتماعية، وعدد كبير من السكان المستضعفين غير القادرين على حماية أنفسهم من الأضرار الغازية. وما يدعو إلى الانزعاج والقلق أن الجائحة ذاتها تعمل على توسيع فجوات التفاوت.
الآن، يعمل الأغنياء ويزدهرون عبر الإنترنت، ارتفعت ثروة جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون بنحو 49 مليار دولار منذ بداية العام، بفضل التحول الحاسم إلى التجارة الإلكترونية، في حين يفقد الفقراء وظائفهم ويخسرون صحتهم وحياتهم غالبا. ومن المؤكد أن تكاليف التفاوت بين الناس ستزداد ارتفاعا، مع اضطرار الحكومات المتعطشة إلى الإيرادات إلى خفض الميزانيات والخدمات العامة التي تشكل أهمية بالغة للفقراء.
لكن يوم الجزاء آت ففي غياب حكومات متماسكة، ومقتدرة، وجديرة بالثقة يمكنها تنفيذ استجابة عادلة ومستدامة للجائحة واستراتيجية ناجحة للتعافي الاقتصادي، سيخضع العالم لمزيد من موجات عدم الاستقرار المتولدة عن مجموعة متنامية من الأزمات العالمية.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2020.
