Author

القوائم المالية وآفة التلاعب 

|

يعد التلاعب بالقوائم المالية للشركات المساهمة ظاهرة خطيرة تهدد بعض الشركات المدرجة في الأسواق المالية في معظم الأوقات، فهو عبارة عن آفة تعصف بأموال المستثمرين والمدخرين بتصنيفاتهم كافة، وتؤثر في سمعة السوق المالية، والجهات الرقابية أيضا، وربما أدت إلى هزات مالية تنعكس على الشركات كلها.

ولا بد هنا أن نشير إلى أن نظام الشركات السعودي الصادر عام 2015 في الباب الـ11، المواد "211 و212 و213 و214"، ينص على العقوبات بشأن مخالفة نظام الشركات، التي تضمنت أحكاما تصل إلى السجن مدة لا تزيد على خمسة أعوام وغرامة لا تزيد على خمسة ملايين ريال في حال تسجيل بيانات كاذبة أو مضللة في القوائم المالية، أو في تقارير الشركة، أو أغفل عن قصد تضمين بيانات جوهرية، وكان الهدف من هذا إخفاء المركز المالي الحقيقي للشركة. هنا، نلاحظ أن النظام يحمي المستخدمين للمعلومات من أي تلاعب بها. وعبارة بيانات جوهرية ترتبط بالوضع المالي ونتائج النشاط، كما أن كلمة جوهرية ترتبط بقرارات المستخدمين، وهي تعني تلك المعلومات التي لو اطلع عليها المستخدم للبيانات، فإنها ستتسبب في تغيير قراره.

وأي معلومات تتصف بهذه القوة، فإنها تعد جوهرية، وأي إخفاء لمثل هذه المعلومات، فإن القوائم المالية تعد مضللة حينها، كما أنه من اللافت للانتباه أن النظام لم يفرق بين معد المعلومة ومن صادق عليها. ففي الفقرة (أ) من المادة (211) تمت الإشارة إلى كل مدير أو مسؤول أو عضو مجلس إدارة أو مراجع حسابات أو مصف، وكما هو معروف أن عضو مجلس الإدارة وكذلك المراجع أو المصفي، لم يقم بإعداد البيانات، بل يقوم بالمصادقة عليها وتوثيقها، أو الموافقة على ما تضمنته التقارير، وبهذا النظام يتجاوز في تحميله مسؤولية المعلومات المضللة، حتى الأطراف التي تعمل على منح الثقة بهذه المعلومات، ولو لم تعدها ابتداء.

وفي الفقرة (ب) من المادة ذاتها (211) جاء التوضيح بمنع الأسباب التي تؤدي إلى تضليل القوائم المالية أو التلاعب بالبيانات، وهي مشكلة لتعارض المصالح، فالتلاعب في البيانات أو منح الثقة ببيانات مضللة، ينتج أساسا من مشكلة التحيز لمصالح فئة معينة دون فئة أخرى، فالمعروف أن القوائم المالية وتقارير مجلس الإدارة هي ذات غرض عام، وهذا يعني أنها تقديم معلومات تتصف بالعموم يستفيد منها أصحاب المصلحة من شركاء وموظفين ومساهمين ودائنين ومدينين، حتى المستثمر المحتمل، وهذا يجعل مسؤولية المعلومات ذات الغرض العام، التي هي جوهر فكرة القوائم والتقارير المالية، تتجاوز الأطراف الأساسية في العقود إلى الأطراف الثالثة.

 بمعنى، أن المسؤولية عن الضرر في حالة وقوعه ليست منحصرة في الجهات التي تم التوقيع معها، أو الأشخاص الذين في عملية التقاعد، بل تمتد إلى الضرر الذي قد يقع على أطراف ليست طرفا مباشرا في عملية التقاعد. فإعداد تقرير وقوائم مالية ذات غرض عام لأجل اطلاع مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية، لا يمنع من تحمل ضرر وقع على مستثمر محتمل اتخذ قراره بناء على تلك المعلومات. كما لا يمنع من تحمل الضرر إذا وقع على جهات حكومية اتخذت قراراتها بناء على تلك المعلومات، فالقوائم والتقارير ذات الغرض العام عليها مسؤولية جنائية عامة، وهذا الذي جعل النظام يؤكد في مادته (115) أن تختص هيئة التحقيق والادعاء العام بمهمة التحقيق والادعاء عن الأفعال المجرمة في المادتين (الـ11 بعد الـ200) و(الـ12 بعد الـ200) من النظام.

ونظرا إلى أن مهام واختصاصات هيئة التحقيق والادعاء العام، انتقلت إلى النيابة العامة الآن، فإن النيابة العامة عليها أن تختص بالتحقيق وإقامة الدعوى بشأن ما يتم التلاعب به من بيانات الشركات ذات الغرض العام. ولتأكيد هذا الحق، أوضحت النيابة في تغريدة لها أنها ستطبق هذه المواد بحزم، وأنها ستشمل كل مدير أو مسؤول أو عضو مجلس إدارة أو مراجع حسابات أو مصفي سجل بيانات كاذبة أو مضللة في القوائم المالية أو فيما يعده من تقارير للـشركاء أو للجمعيـة العامـة، أو أغفـل تضمـين هذه القوائم، وأن هذا يتضمن كل مدير أو مسؤول أو عضو مجلس إدارة أو مراجع حسابات لم تتم دعوته للجمعية العامة للشركة أو الشركاء - أو لم يتخذ ما يلزم لذلك بحسب الأحوال.

إن قضية التلاعب بالقوائم المالية حقيقة واقعة، تضيع معالمها بين الممارسات المعقولة والضرورية أحيانا، وبين ما هو مضلل وكاذب، وليس في اليد من حلول غير تطبيق الضوابط الصارمة، مشابهة لما يعمل به دوليا، والتأكيد على أهمية المراجعة الداخلية والاستقلالية الكاملة للمراجع الخارجي، إلى جانب التطبيق الدقيق لإجراءات حوكمة الشركات وتغليظ العقوبات بحق المخالفين، وملاحقة الشركات المشبوهة باستمرار وممارسة الضغط الإعلامي عليها. وهنا، مع تطبيق الضوابط والأنظمة، لا بد من وجود ميثاق شرف مهني يمنع تكرار سلوكيات تسببت في مشكلات كبيرة لشركات مساهمة عامة، ولا سيما أن نتائج هذه السلوكيات تنعكس سلبا على الاقتصاد الوطني.

إنشرها