منظمة التجارة العالمية بقيادة المملكة

خلال رئاسة المملكة هذا العام قمة مجموعة العشرين، شدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في كلمته الافتتاحية، على ضرورة استعادة التدفق الطبيعي للسلع والخدمات في أسرع وقت، وذلك لإرسال إشارة واضحة إلى استعادة الثقة بالاقتصاد العالمي، ومساعدة الدول الأقل نموا على تحقيق أهدافها التنموية.
وبناء عليه أطلقت المملكة في اجتماع وزراء التجارة لمجموعة العشرين «مبادرة الرياض» بشأن مستقبل منظمة التجارة العالمية، لتؤكد المملكة التزامها بتعزيز المشاركة العالمية فيما يتعلق بالتجارة الدولية. وتهدف هذه المبادرة إلى تقديم الدعم السياسي من قادة مجموعة العشرين لإيصال رسالة قوية لأعضاء المنظمة حول التزامهم بالأساسيات والمبادئ المشتركة للمنظمة، ودعم الإصلاحات الضرورية وتمهيد الطريق لمستقبل مثمر للمنظمة خلال الـ 25 عاما المقبلة وما بعدها.
من هذا المنطلق، جاء ترشيح المملكة محمد بن مزيد التويجري، ليكون مديرا عاما لمنظمة التجارة العالمية في دورتها المقبلة تأكيدا على دور المملكة في تعزيز التجارة الدولية، خاصة أن المملكة تتفوق على جميع الدول الأعضاء في المنظمة في نسبة تجارتها الدولية لناتجها المحلي التي فاقت 70 في المائة.
ولا شك أن مزايا المملكة التنافسية ومن أهمها موقعها الجغرافي المميز الذي يتوسط ثلاث قارات، ويطل على أحد أكثر الممرات المائية ارتيادا التي يمر من خلالها 13 في المائة من حجم التجارة العالمية، و30 في المائة من كمية النفط العالمي، تؤهل المملكة لقيادة هذه المنظمة لتعزيز التعاون الوثيق وترسيخ الشراكات الاستراتيجية مع الدول لتعظيم المكاسب الناتجة عن سهولة وحرية تدفق التجارة العالمية.
ونظرا لأن المملكة، منذ تأسيسها تأتي في مقدمة الدول المؤيدة للنظام التجاري متعدد الأطراف إيمانا منها بحرية التجارة واقتصاد السوق التي تضمنتها مبادئ المنظمة القائمة على 28 اتفاقية إلزامية، فإن خبرة مرشح المملكة ونجاح قيادته لكبرى مشاريع التحول الوطني سيسهم في معالجة التحديات الحالية التي تواجه التجارة الدولية. وهذا سيحدث تحولا ملموسا في تصحيح الخلل الناشئ من فقدان ثقة الدول الأعضاء باتفاقات المنظمة، ويسهم في سد الفجوة القائمة بينهم، ويمهد الطريق لأرضية مشتركة تسعى إلى إصلاح أحكام المنظمة.
ومن خلال علاقة المملكة المميزة والمتوازنة مع الدول الأعضاء في المنظمة، فإن الترحيب والقبول الذي يحظى به مرشحها ويدعم انتخابه ليلعب دور الوسيط المحايد بين الدول، آخذا في الحسبان الآراء المتباينة كافة باهتمام وانفتاح وحياد، بهدف تحديد الخطوات العملية للمضي قدما. لذا سيعمل مرشح المملكة على تعزيز التواصل الفعال مع جميع الدول الأعضاء في المنظمة لتأمين آلية فعالة للمفاوضات البناءة والوصول إلى حلول توافقية تراعي مصالح الدول الأعضاء، وتضمن تحقيق المنظمة الأهداف التي أسست من أجلها.
ولعل مشاركة المملكة في العام الماضي مع 82 دولة من أعضاء المنظمة للمصادقة على اتفاقية تيسير التجارة أكدت دور المملكة الهادف إلى تسريع حركة نفاذ الصادرات في الأسواق العالمية وتيسير وسائل تخليصها الجمركي، بما في ذلك صادرات الترانزيت العابرة. وهذا يتماشى مع أحكام المواد الخامسة والثامنة والعاشرة من اتفاقية الجات، الهادفة إلى تعضيد التعاون بين الدول الأعضاء في المنظمة وتوفير الدعم اللازم لبناء قدرات الدول النامية والأقل نموا.
من هنا أصبحت المملكة عضوا فعالا في المنظومة التجارية والاقتصادية العالمية، تسعى إلى ضمان تحقيق المزايا العديدة التي توفرها المنظمة للدول النامية، ومنها زيادة الثقة بقدرة صادراتها على النفاذ للأسواق العالمية، وارتفاع وتيرة تنافسية منتجاتها الوطنية، خاصة في قطاعات الصناعات التكميلية والاستهلاكية.
ولقد لاقت الطروحات المبتكرة والمقترحات المميزة، التي أدلى بها مرشح المملكة، يوم الجمعة الماضي في رحاب المنظمة، ترحيب الدول النامية والمتقدمة على حد سواء، وثقتها بأن نجاح المرشح السعودي سيحقق لاقتصاداتها الكلية والجزئية مكاسب كبيرة، ويساعدها على النمو المزدهر في ناتجها المحلي الإجمالي. وأيقنت دول المنظمة أن تجارتها الخارجية ستكون في أيد أمينة تهدف إلى تطبيق قواعد الاستيراد الموحدة بين جميع الدول الأعضاء في المنظمة، وتمنع استخدامها للقيود غير الجمركية، ما يساعد على نفاذ صادراتها في الأسواق العالمية دون عوائق فنية أو تدابير مخلة باتفاقات المنظمة. ونظرا لما تتميز به أحكام المنظمة من قواعد ومبادئ تهدف إلى تحرير حركة التجارة الدولية، فإن تأكيد مرشح المملكة ضرورة توفير العدالة وتحسين التنافسية بين الدول بجميع مستوياتها التنموية سيؤدي حتما إلى إعادة كسب ثقة المنظمة في الأسواق العالمية، وتشجيع الدول الأعضاء على انتشال المفاوضات التجارية الشاملة المتعثرة منذ 15 عاما، لفشلها في تحقيق التقدم المنشود ورأب فجوة تباعد المواقف بين الدول المتقدمة والنامية.
ولمواجهة التحديات المتنامية التي يواجهها العالم أجمع وتؤثر سلبا في مسيرة منظمة التجارة العالمية، أحسن مرشح المملكة في طرح أولوياته، التي ستبدأ بإصلاح الخلل في أحكام النظام التجاري العالمي، وتوفير العدالة في قواعده، وتعديل مسار تياراته المتضاربة، تمهيدا لإعادة اكتساب ثقة الدول الأعضاء بالمنظمة.
لقد حان الوقت كي تقتنع الدول الأعضاء في المنظمة بأنها في أمس الحاجة إلى اختيار قائد يحقق أهدافها، ويسعى إلى إصلاح أحكامها، حتى لا تستباح مبادئ الحرية الاقتصادية على حساب العدالة في تحرير الأسواق التجارية، وحتى لا تمنح دول على حساب دول حق استنزاف خيرات العالم لانتشال أنقاض سياساتها العشوائية.
وهذا ما شكل في الآونة الأخيرة أكثر التحديات ضررا على مسيرة التجارة الدولية لغياب التآلف والعدالة بين أعضاء المنظمة. لذا فإن كسر هذه الهوة المتفاقمة بين الدول الأعضاء، وجعلها أكثر اتزانا في أهدافها، يحتاجان إلى قيادة وإرادة وإصلاح يتمتع بها المرشح السعودي، الذي عاصر النهضة الاقتصادية في المملكة وأسهم في تنفيذ برامجها الوطنية الطموحة وحقق نجاح تنويع مواردها الذاتية، لتتبوأ المملكة المرتبة الأولى بين 190 دولة في برامج الإصلاحات الاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي