Author

السعودية والعراق والثوابت العربية الأصيلة

|

دأبت المملكة منذ تأسيسها حتى اليوم على بذل جهود واضحة وتدارس هموم الأمة العربية والسعي الحثيث إلى تعزيز التضامن بين جميع الدول العربية، ورأب الصدع، وإيجاد حلول عادلة وشاملة لقضاياها، فضلا عن الخروج برأي عربي موحد مشترك بعيدا عن سياسة المحاور والتشتت؛ بما يسهم في خدمة مسيرة التضامن العربي الذي تقف فيه رائدة وقائدة لتعزيز العمل المشترك.
ولا يستطيع منصف أن يقلل من جهود المملكة وما تحملته من أعباء للدفاع عن قضايا الأمة العربية، واستماتتها للوقوف مع قضاياها عبر تاريخيها القديم والحديث، وفي شتى المحافل الدولية، وعدم تخليها عن أشقائها في أصعب الظروف، إضافة إلى جهودها الحثيثة التي تبذلها لخدمة قضايا العالم العربي في جميع المستويات، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وأمنيا.
ومن هذا المنطلق، تستند المملكة إلى سياسة ثابتة تجاه العلاقات مع أشقائها العرب الآخرين، وهذه السياسة تقوم بدورها على مجموعة من الثوابت، في مقدمتها المصالح القومية العربية، والمصالح الاستراتيجية المشتركة مع هذا البلد أو ذاك. وتقوم السعودية بدورها العربي المحوري، سواء في أوقات الأزمات أو في مراحل الاستقرار.
حتى في ظل بعض الخلافات التي حدثت سابقا من هذه الحكومة أو تلك، بقيت الرياض مع مصالح الشعوب العربية كلها، فهي لم تسيس الثوابت في تاريخها، خصوصا تلك التي تخص المنطقة والمصير العربي. كما أنها اتبعت استراتيجية الحوار إلى أقصى مدى لحل الخلافات إن وجدت، ولتقريب وجهات النظر في مسائل عربية خالصة، دون المساس بالطبع بسيادة الدول.
وعلى هذا الأساس، تقوم العلاقات السعودية العراقية، حتى في ظل الأزمات السياسية التي شهدها العراق على مدى أعوام، بما فيها التدخلات الطائفية من جانب النظام الإرهابي في إيران التي تستهدف ضرب المصالح العراقية، ومصلحة كل دولة عربية يمكنه الوصول إليها، وجدنا هذا في العراق وسورية واليمن وبعض دول الخليج العربية، حتى مصر.
السعودية لا يمكن أن تتخلى عن مسؤولياتها العربية تحت أي ظرف كان، ولهذا السبب وغيره، شهدت العلاقات السعودية - العراقية في الفترة الأخيرة تطورا كبيرا في المجالات كلها، ولا شك أن الفترة القصيرة التي مرت على تولي مصطفى الكاظمي منصب رئيس الوزراء في بلاده، كانت مهمة في دفع هذه العلاقات نحو الأمام وتطويرها مع المملكة.
الكاظمي كان حريصا على أن تكون أول زيارة يقوم بها خارج العراق إلى المملكة، إلا أن الوعكة الصحية الطفيفة التي ألمت بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أجلت الزيارة، لكن الاتصالات والمشاورات وتبادل الآراء تمضي قدما بين الجانبين، ولا سيما في ظل التطورات التي يشهدها العراق على الساحة الداخلية.
مع ضرورة الإشارة إلى أن ما يجري هناك، يسير بصورة طبيعية وحتمية في آن معا. رئيس الوزراء العراقي، أكد في غير مناسبة، تفاؤله بمستقبل العلاقات بين الرياض وبغداد، وأنها تستند إلى أسس قوية، تسهم في تذليل العقبات إن وجدت، كما أنها تفتح الطريق أمام توجهات تصب في النهاية في مصلحة البلدين الشقيقين.
كما أن التحركات التي قام بها الكاظمي في الفترة القصيرة الأخيرة على الساحة المحلية، دعمت مباشرة علاقات العراق العربية إلى الأمام، وفي مقدمتها تلك التي تجمع العراق بالمملكة.
إذن، الزيارة في الأساس، تهدف إلى فتح مسار جديد للتعاون الاقتصادي، وهذه نقطة مهمة، لأن المملكة لا تتردد في أي تعاون يهدف إلى مصلحة الشعوب العربية في العراق وغيره، وينتج عوائد جيدة أيضا للسعودية نفسها.
كل اتصال عربي يجري مع المملكة، يهدف أيضا إلى تحصين الدول العربية كلها من التدخلات الخارجية، التي أفرزت في الأعوام القليلة الماضية ويلات وخرابا وفرقة، وتحديدا التدخل الإيراني الذي لا يستهدف سوى الخراب بمرجعية طائفية مشينة. ومع الأسف وجد النظام الإيراني شرائح من الخونة لبلادهم، وفروا له المساعدة اللازمة لإتمام استراتيجية الخراب التي لا يعرف غيرها.
لكن تبقى الشرائح الأوسع والأكبر، الضامن الوطني رغم كل الظروف التي أجبرت على المرور بها.
تأجيل زيارة الكاظمي، لم تؤثر في الحراك الثنائي بين البلدين، فاجتماعات مجلس التنسيق السعودي - العراقي تمضي كما هو مخطط لها، وهي تقوم أساسا على توجيهات مباشرة من القيادة العليا في المملكة، حرصا على توطيد أوجه التعاون بين البلدين. العلاقات السعودية - العراقية ستظل قوية، باستراتيجية عربية صادقة لا تتخلى عنها الرياض تحت أي ظرف كان.

إنشرها