Author

الجامعات العربية .. والسبات العلمي 

|

في كل مرة تجتاح العالم أزمة أو عاصفة أو جائحة، يفزع العالم المتقدم إلى مراكز البحث المتخصصة، التي تكون دائما في الموعد، وتفي بالتزاماتها نحو الشعوب والإنسانية، وتقدم قيمة مضافة في مقابل ما ينفق عليها من أموال. ويعلم الجميع أن البحوث والتطوير، يعدان عاملين حاسمين لنمو أي اقتصاد، وفي كل مرة نجد جامعاتنا العربية عموما، تقف موقفا رماديا، وتنتظر مثلما ننتظر إنجازات العالم من حولنا. ويبقى السؤال عن سبب هذا الجمود الكبير والتقوقع لجامعاتنا ومراكز الأبحاث فيها، وإذا كان هناك من يقول بضعف الدعم المقدم للبحث العلمي مقارنة بالعالم، لكنه ليس ضعفا يبرر هذا الوضع البائس الذي تعيشه جامعاتنا.

نشرت قبل أشهر قوائم عن أكثر الباحثين إنتاجا، فظهر لنا بعض الأساتذة في جامعاتنا ممن بلغ إنتاجهم أكثر من أيام العام، أو أسابيعه، ومع ذلك فإن هذا الإنتاج الضخم يعد فعليا على هامش الاهتمام العالمي، وليس في صلب الحدث أو معالجة أزمات كبيرة، كجائحة كورونا، التي نعانيها بشكل خطير وغير مسبوق عربيا وعالميا. وإذا كان العالم يتسابق في الفوز باللقاح، من أجل إنقاذ البشرية والتخفيف من معاناة الناس، فإن الحقيقة التي نشهدها، أن جامعاتنا ومراكزها البحثية منشغلة تماما وطوال العام، لكنه انشغال خارج السياق في أحسن الأحوال.

إن البحث العلمي عموما، يجب أن يكون موجها، وأن يكون في مسار التحدي العلمي مع البحث العالمي، وأن يكون منشغلا تماما بالمناطق الساخنة من البحث العلمي العالمي وليس بمناطق دافئة سبق اكتشافها واستخراج كنوزها. فالمناطق الدافئة التي سبق العمل عليها، تناسب طلاب الدراسات العليا، الذين يتدربون على البحث العلمي ويقتضي تدريبهم أن تتم مقارنة إنتاجهم بما استقر عليه البحث العلمي العالمي. لكن من الواضح أن هذا الاتجاه أصبح عاما في الدراسات كافة، التي ترعاها المراكز البحثية في الجامعات، وتخصص في مقابلها أصولا ضخمة، بينما هي تعمل في المناطق من البحث العلمي التي تعد مستقرة والنتائج فيها محسومة، والتحدي قليل. حتى في تلك الإنجازات اللافتة في الابتكار، فإنه ما يمكن تصنيفه حقا، لا يخرج من هذه المناطق من البحث، وهذا الأمر يزيد من ضعف القبول العالمي للإنتاج العلمي لمراكز الأبحاث العربية عموما، فهي لا تقدم جديدا يمكن أن يسهم بقوة في المعرفة الإنسانية.

وفي حين استطاع بعض هذه المراكز تجاوز هذه النقاط والمناطق، فإن قبول إنتاجها يظل محل شك ما لم يتم تعزيزه بأبحاث عالمية في مراكز معتبرة، فالغياب الطويل عن الإنتاج المعرفي العالمي يجعل من الصعب الدخول مباشرة في عمق الأزمات واستخلاص نتائج مهمة ومقبولة. وهذا له بعد آخر، من خلال ضعف الاتصال العلمي ومحفزاته في الجامعات والمراكز البحثية مع المراكز والجامعات العالمية، وهو ضعف يصل حد جهل مراكز الأبحاث العالمية بوجود مراكز عربية مماثلة.

لذا، فإن بروز أي بحث عربي أو باحث سيجد صعوبة بالغة في قبول نتائجه طالما أن حالة المعامل التي يعمل فيها ومصداقية المراكز التي ينتمي إليها، مجهولة تماما. إن الخلل لا يمكن تجاوزه ما لم يكن هناك اتصال وتبادل علمي بين جامعاتنا وبين الجامعات العالمية، تواصل حقيقي وليس مجرد تبادل للسير الذاتية التي تعرض في الموقع الإلكتروني، أو مجرد أسماء شرفية على الأبحاث المنشورة، بل مشاركة جادة في العمل والمعامل والمشاريع وتبادل الدارسين والخبرات والتمويل. تواصل عملي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهذا التواصل هو الذي يحقق اعترافا عالميا بالمراكز العربية من جانب، ويحقق تدريبا وفهما عميقا للمشكلات الراهنة وآليات معالجتها لكن الواقع يقول إن البحث العلمي بمختلف تخصصاته وفروعه في جامعاتنا العربية يغط في سبات منذ أمد طويل.

إنشرها