Author

حلول الحكومات لإنقاذ الشركات

|
أحدث فيروس كورونا شللا شبه كامل في معظم قطاعات اقتصادات دول العالم، ولم يستثن أحدا حيث بدأت معظم الدول تعاني بشدة آثار الوباء. وأحد أبرز مظاهر الدمار الذي سببه الفيروس، كان تسريح عشرات الملايين من العمال في الفترة الماضية، ووضع كثير من الشركات في أسوأ ضائقة مالية منذ عقود، فضلا عن إجبار عدد متزايد من الشركات على إغلاق أبوابها إلى الأبد.
ومن هنا، تبدو صورة الاقتصاد العالمي قاتمة حتى الآن، رغم مرور أكثر من ستة أشهر على جائحة كورونا، بل إن توقعات صندوق النقد الدولي بشأن انكماش الناتج العالمي في 2020 تزداد تشاؤما بأن يصل إلى 4.9 في المائة، مقارنة بما كان متوقعا في نيسان (أبريل) الماضي عند 3 في المائة حينها. هذا الانكماش الحاد، يراه صندوق النقد الدولي الأسوأ منذ الكساد العالمي الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
هذا الرأي لم يأت من فراغ، ذلك أن مظاهر الكساد تبدو حاضرة فعلا، ففقدان الوظائف أصبح ظاهرة واسعة الانتشار في العالم أجمع، وبدأت أرقام تضخم أسعار المستهلكين في التراجع، وهو مؤشر يدل على ضعف القوة الشرائية عموما، خاصة أن تضخم أسعار الغذاء ظل حاضرا في المشهد، وبالتأكيد ستكون له آثار سيئة جدا في الشركات والقطاع الخاص عموما، ما يؤدي في الأيام المقبلة إلى تزايد أعداد الشركات التي ستعلن إفلاسها، وبالتالي خروج أعداد جديدة من وظائفها، وضعف القوة الشرائية، وخروج مزيد من الشركات بالإفلاس، في حلقة كساد مفرغة لن ينجو منها الاقتصاد العالمي ما لم يفكر بطريقة جديدة، مثل تلك الأيام التي عبر فيها العالم أزمة الكساد.
لكن، لماذا تبدو الحلول القديمة غير فاعلة حتى الآن؟ فحكومات حول العالم تعمل على إنقاذ الشركات من خلال منحها قروضا وتسهيلات واسعة، والجميع يطبق الإرشادات العالمية المتفق عليها في اجتماعات الصندوق من أجل إنقاذ الشركات، لكن مع استمرار الجائحة العالمية وتوقعات بأن تطول أكثر مما هو متوقع أيضا، فإن استمرار العمل من خلال القروض، يجعل الأعباء هائلة على الشركات، ويجعل الخوف سيد المشهد الاستثماري، ما قد يفاقم الأضرار في الأسواق المالية. وللخروج من هذا المأزق الشائك، حثت كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي، الحكومات على معالجة جديدة مبتكرة، من خلال ما سمته التحول إلى دعم "شبيه بحقوق الملكية" بدلا من القروض.
ورغم أن كبار اقتصاديي صندوق النقد الدولي لم يفسروا تماما ماذا تقصد من خلال هذه العبارات، لكن بالتأكيد، فإنها تقصد تجنب القروض في عمليات الدعم، فالشركات ستفلس مع معاناتها انخفاض الإيرادات لأشهر عديدة، وهذا يعني أنها لن تكون قادرة على السداد، وإذا كانت الحكومات ستلبس ثوب المقرض، فإنها ستخسر أموالها تماما مع تفشي ظاهرة الإفلاس التي بدأت في البروز على كل حال، وهنا فإن القروض لن تحل المشكلة بقدر ما ستفاقم المأساة في نهاية المسار، فالحفاظ على أموال دافعي الضرائب لن يكون من خلال هدر هذه الأموال في شركات ستفلس حتما بهذه الطريقة، بل هو الدعم من خلال الشراكة الاقتصادية بين القطاعين العام والخاص، شراكة لم يعد هدفها الإنقاذ فقط، بل هدفها التدفق المستمر من الأموال لهذه الشركات حتى تكون قادرة على الصمود، ومن ثم ضمان بقاء القوى العاملة في وظائفها، وبالتالي عودة القوة الشرائية من جديد، ثم يمكن للحكومات الاستفادة من جديد من هذه العودة القوية للأسواق والحصول على تدفقات مستمرة من الأرباح.
وهذا على نحو ما يشبه المعالجة التي قامت بها اليابان، عندما شاركت في رأسمال الشركات عبر شراء الأسهم الممتازة التي أصدرتها تلك الشركات، ويمكن أن يكون مثلما فعلته الولايات المتحدة مع الشركات التي كانت على شفا الإفلاس إبان الأزمة العالمية 2008، حيث قامت الحكومة الأمريكية حينها بشراء تلك الأصول المسمومة ثم حققت من خلال ذلك أرباحا عندما تحسنت الثقة بالأسواق. فالأمر شبيه بذلك، لكن ليس بهذا الوضوح. وهنا لا بد أن نشير إلى نقطة مهمة يجب تأكيدها الآن، وهي أن الدعم الحكومي على صورة قروض سيثقل كاهل الشركات بدين هائل، سيكون بمنزلة ضريبة من شأنها أن تجعل من الصعب عليها الخروج من الأزمة إلا بقدر كبير من فائض الدين.
إنشرها