Author

لنقاطعهم

|
بماذا يؤثر مبلغ يقارب 200 دولار في الاقتصاد التركي، أو مبلغ 20 دولار في الاقتصاد الإيراني؟ للوهلة الأولى، نعتقد أنه لا شيء، لكن بضرب أي من الرقمين أعلاه في خمسة ملايين، تبدأ الحسابات في التغير.
خطر لي ذلك، وأنا أقف أمام ثلاثة خيارات لسلعة واحدة، خيارات بناء على بلد المنشأ، سعودي، وآخر من إحدى الدول الأوروبية، والأخير من تركيا، وكان المنطق أن يكون الاختيار بناء على الملاءمة لي ولعائلتي من حيث التصميم، واللون، وبالطبع السعر، لكنني وجدت أن وضع السلعة تركية المنشأ في قائمة الخيارات مزعج، لما تفعله "حكومة" هذه الدولة معنا، فاستبعدته، واخترت من بين الخيارين الآخرين.
خطر لي رئيس غرفة الرياض عجلان العجلان، وكثير غيره، وهم يناشدون ويدعون الناس إلى مقاطعة المنتجات والخدمات من تركيا وغيرها، ووجدت في الأمر منطقا شعبيا جميلا، تعبيرا عن موقف ربما يكون عاطفيا، لكن، عندما يتبناه نصف الناس يصبح اقتصاديا، ثم يدخل في إمكانية التأثير سياسيا.
الأمر ينطبق على دول أخرى، إيران مثلا، وهو في غاية البساطة، لأن هذه الدول لا تنتج شيئا يصعب الاستغناء عنه، فيمكن شراء السجاد السعودي أو الأوروبي، والمكسرات من مصادر كثيرة، والزعفران حدث ولا حرج، من إسبانيا إلى المغرب وصولا إلى أقاصي آسيا، بل إن بواكير إنتاجه بدأت في السعودية، وعلى ذلك، يمكن القياس.
ناقشت الفكرة مع صديق، فتساءل عن سبب وجود سلع ومنتجات لدول أثبتت الأيام كراهيتها لنا، ثم سأل: ما ذنب التاجر السعودي المستورد؟ وهي أسئلة واقعية، أجبت عنها بأن وجود السلع، يخضع لاتفاقات دولية ومقررات من منظمة التجارة العالمية، وغيرها، ويصعب أحيانا منع دخول سلع من دول طالما لا يوجد حظر دولي عليها، أو قطع واضح صريح للعلاقات من أي نوع، كدولة إسرائيل المحتلة، وبعض السلع تأتي من أطراف أخرى عبر إعادة التصدير.
أما التاجر السعودي، فأعتقد أنه يتحمل مخاطر قراره واستمراره، وأتوقع أنه سيحسب حسابه، وينوع مصادره، وهو يرى كل هذه العداوة الشعبية لبلد كان يستورد منه. في النهاية، هو حر في خياراته، كما أنه رأى رئيس غرفة العاصمة، وهو يعلن على الملأ ضرورة مقاطعة من يحاول العبث معنا.
اختياراتنا للسلع والخدمات تؤثر في المدى الطويل، ورغم أنها تجارة واستهلاك شخصي، إلا أنني أزعم أنها تظل خيارات مؤثرة في اقتصادات الدول.
إنشرها