ثقافة وفنون

نصر حامد أبو زيد .. أحد الحالمين بمستقبل أفضل

نصر حامد أبو زيد .. أحد الحالمين بمستقبل أفضل

نصر حامد أبو زيد.

نصر حامد أبو زيد .. أحد الحالمين بمستقبل أفضل

نصر حامد أبو زيد .. أحد الحالمين بمستقبل أفضل

حلت الذكرى العاشرة لرحيل المفكر المصري نصر حامد أبو زيد، صاحب مقولة "إن توقفت عن طرح الأسئلة فهذه شهادة وفاتي"، حاملة مفارقة عجيبة مفادها استمرار تولد الأسئلة حول مشروعه الفكري، رغم مرور عقد من الزمن على وفاة واحد من أهم المفكرين، أصحاب الأسئلة الكبرى والقضايا الشائكة في الفكر العربي والإسلامي.
قدم أبو زيد مشروعا نقديا مثيرا للجدل، لدرجة اتهامه بالكفر والإلحاد والارتداد عن الإسلام عام 1993، بسبب بحثه "نقد الخطاب الديني"، قصد الحصول على درجة الأستاذية في الجامعة، ما عجل بإعمال مبدأ الحسبة في الفقه الحنفي، الذي أدى إلى الحكم القضائي بتطليقه من زوجته، بحجة أنه لا يجوز زواج المسلمة بغير المسلم، ما اضطره إلى مغادرة مصر، أواسط عام 1995، نحو إسبانيا ثم الاستقرار في هولندا، حيث تولى تدريس مادة الفكر الإسلامي في جامعة ليدن.
أقدم الرجل، وضد الاتجاه العام السائد في أوساط مفكري ما بعد هزيمة 1967، على قلب سؤال التراث في مشروعه البحثي، فالقضية الأساس بالنسبة إلى نصر حامد لا تتمثل في كيفية تجديد التراث، بقدر ما تتجلى في إعادة تفسير التراث طبقا لمتطلبات وحاجات العصر، ولتحقيق هذه الغاية تبنى آليات تحليل الخطاب، حيث تعامل مع النصوص الدينية باعتبارها نصوصا منتجة للمعنى الكلي.
أولى أستاذ كرسي كليفيرينجا عناية خاصة بالتأويل "فلسفة التأويل، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، الخطاب والتأويل، التجديد والتحريم والتأويل"، فاهتم بطرق قراءة النصوص الدينية وتفكيك بناها، وتبين مقوماتها، ذلك استنادا إلى المكتسبات المعرفية المعاصرة المستمدة من علوم عديدة "اللسانيات والسيمولوجيا..."، وتبقى المقاربة التأويلية المقوم الأساس لمشروعه النقدي، في قراءة الموروث الديني الساعي إلى تجاوز النظرة التقليدية للتراث، من خلال إعادة النظر في المسلمات التي حوّلها الضمير الديني إلى حقائق متعالية عن التاريخ.
قام الراحل بالتفرقة بين الدين والخطاب الديني، فالأول عبارة عن نص مقدس ثابت تاريخيا، بينما الثاني مجموعة من النصوص التي في ضوئها يفسر القرآن الكريم والسنة النبوية، وتبقى هذه النصوص مساعدة على فهم النص القرآني. تعرض في مشروعه بالنقد لهذه النصوص، التي يرى أن بعضها غيب العقل والوعي، واختزل الثقافة العربية الإسلامية في آلية تفسير النصوص وشرحها، حيث يقول "هكذا تحددت قوانين إنتاج المعرفة في الثقافة العربية على أساس سلطة النصوص، وأصبحت مهمة العقل العربي محصورة في توليد النصوص من نصوص سابقة، وأصبحت أقوال العلماء واجتهاداتهم نصوصا مشرعة، وانحصرت بذلك مشروعية العقل العربي في مجال محدد هو مجال توليد النصوص وشرحها".
لم يستوعب الفكر الديني، من وجهة نظر أبي زيد، العلاقة التفاعلية بين الواقع والنص، فتم اختزاله في قائمة ثابتة من الأوامر والنواهي ينبغي الامتثال لها، في حين إن النص المقدس أسمى من ذلك بكثير. ويشكل غياب هذا الوعي أهم العوائق التي تحول دون إقامة الإنسان قراءة بناءة ومتجددة مع القرآن، زيادة على أن مبدأ "لا اجتهاد مع النص" الذي استغلته تيارات دينية سياسية بذكاء، حوّل القرآن إلى نص مكبل ومقيد للإنسان وحريته.
وضع أبو زيد يده في عش الدبابير عندما هوى بمعول النقد على مفاصل أطروحة الإسلام السياسي، فقام بتعداد أسباب ومظاهر انغلاق الفكر، حين أكد أن التيارات الاسلاموية ما انفكت تتلاعب بالنص القرآني سعيا وراء مآرب وغايات سياسية، بما يلائم مصالحها وحاجتها، ذلك باستخدام الدين حجة دامغة تجعل المنتمين إلى هذا الفسطاط على حق، فهم المتكلمون باسم الله في الأرض، وبقية الفرقاء السياسيين المخالفين على خطأ، وربما في ضلال مبين.
كان طبيعيا أن ينشغل الراحل بهذا المبحث، فالمفكر في البدء والمنتهى ابن بيئته، وعانى كباقي مفكري جيل السبعينيات، اشتداد وطأة التنظيمات الحركية، وما ترتب عليها من عنف ديني. فوجد نفسه في دوامة البحث عن مكامن الداء في الثقافة العربية والإسلامية، وعن أسباب تخلف وتقهقر خير أمة أخرجت للناس، بدل تقدمها ورقيها في مدارج المدنية. دفعته هذه الاستشكالات إلى الاهتمام بدراسة القرآن، والبحث في كيفية قراءته؟ وكشف كيفيات توظيفه لتحصيل مصالح خاصة لدى قوى سياسية.
لكن هذا الانشغال من أجل كشف آليات عمل الفكر الانغلاقي والدفاع عن الإنسان الحر وضعه في مرمى هجمات هذه القوى والتنظيمات، حيث تسود ثقافة الحشد والتعبئة، وتنتشر عقلية القطيع والولاء للمرشد والزعيم، فوجد الراحل نفسه هدفا للتصفية من قبل هؤلاء، من خلال التكفير وتحريض الرأي العام ضده، باسم الانتصار للإسلام وحمايته، دون أي محاولة للتحاور، بذلك تثبت هذه التيارات على نفسها دوغمائية فكرها، واستئصاليتها الأيديولوجية.
تمر عشرة أعوام على غيابه، ولا تزال الأسئلة متدفقة حول مشروع نقدي، مهما اختلفنا معه لجهة مسلمات الباحث أو المقاربات المعتمدة أو المفاهيم الموظفة.. فتحسب للراحل الجرأة على طرق مجالات بحثية موصدة بمقاربات جديدة، لا يزال الاشتغال فيها مستمرا إلى اليوم، لتتحقق بذلك أمنية الحلم التي أوصى بكتابتها على قبره "هنا يرقد أحد الحالمين بمستقبل أفضل. أيها الزائر قبري لا تكف عن مواصلة الحلم".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون