Author

الشوارع الخلفية

|
حين كتبت مقالي السابق "صديقتي الحقودة" لم أكن أتوقع أن يلقى كل هذا الجدل والانتشار المذهل، والتعليقات والآراء المختلفة التي تجاوزت الألف عبر "تويتر" والـ"واتساب". البعض كان يعتقد أن هذه القصة من نسج الخيال والبعض الآخر نصب نفسه قاضيا ليصدر حكمه على المخطئ في القصة، أما القلة فهم الذين آمنوا بأن الحياة تحمل بين طياتها ما هو أعجب وأغرب وأقسى من هذه القصة.
نحن كبشر نهرب دوما من مواجهة ما نخاف منه ولذلك مثل تلك القصص المؤلمة ترفض عقولنا تصديقها، لأننا لا نرغب في معايشة الألم في حال حدوثها. نحن نخاف من الظلام ليس لأن الظلام يخيفنا، بل لأننا لا نرى الأمور التي قد تحدث بشكل واضح فقد يختبئ أحدهم تحت جنح الظلام يريد بنا شرا، وقد تتعثر خطواتنا في حفر عميقة تسبب لنا الأذى، وقد نضيع بين دهاليز لا تقودنا للنهايات التي نرغب فيها، لذلك لن ألوم الذين لم يرغبوا في تصديق قصة "صديقتي الحقودة" لأنهم ببساطة لم يرغبوا في مواجهة ما يخافون منه.
الناس بطبعهم بشكل عام يشعرون بالراحة لرؤية الأمور الواضحة والأحداث الطبيعية والقصص، التي لا تحتوي بين تفاصيلها على مفاجآت موجعة وانعطافات مؤلمة وصدمات غير متوقعة، لذلك نجد زوار الشوارع الخلفية للحياة قليلين، تلك الشوارع التي تعرض دكاكينها بضائع الحياة الكاسدة والمنتهية الصلاحية والمبعثرة فوق رفوف يعلوها غبار القسوة والألم.
- حين تسير في الشوارع الخلفية ستصدمك حكايات البشر المتكدسة فوق رصيف الحياة بقسوة الغدر والخيانة والظلم، وسيرفض عقلك تصديق فصولها لأنك ببساطة لا تريد أن تكون حكايتك يوما ما معروضة ضمن هذه الحكايات المتكدسة.
- في الشوارع الخلفية ستدرك أن هناك نوعية من البشر لا يمكن أن تعيش إلا فوق الأنقاض المنهارة للأصدقاء والأقارب ومن ظنوا يوما أنهم كانوا لهم أحبة، لا يشعرون بالراحة إلا حين يسمعون أصوات أنينهم وانكسارات قلوبهم وتأوهات أرواحهم، وسيرفض عقلك تصديق وجود هذه النوعية لأنك لا تتخيل أن تكون يوما ضمن ضحاياهم.
- في الشوارع الخلفية ستؤمن بأن الحمقى فقط هم من يعتقدون أن أصحاب القلوب الحاقدة والحاسدة قد يكونون ملائكة يوما ما، ولذلك أغلبية ضحايا الشوارع الخلفية هم الذين "يلدغون من الجحر مرتين" ولا يكتفون بصفعة واحدة حتى يتعلموا دروس الحياة.
وخزة
عدم تصديقك للأمور لا يعني أنها لم تحدث.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها