default Author

بشر مفترسون

|

هدوء الشوارع وخلوها من البشر منح الفرصة لكثير من الحيوانات والطيور ترك أماكنها في الغابات والبراري والجبال والتجول بكل راحة وحرية في المدن حتى المتوحشة منها، ففي اليابان وجدت الغزلان البرية تتجول في الساحات العامة، التي كانت تعج بالبشر وفي إيطاليا تتجول الخنازير البرية تتبعها الذئاب والضباع، التي تفترسها عادة، ونزلت الماعز الجبلية من المرتفعات لتزور المدن الفرنسية، واحتلت الدببة السوداء المخيمات الخاوية في كاليفورنيا، وعجت ساحات وميادين المدن الهندية بأنواع من القردة والسعادين، وافترشت الغزلان الحدائق في بريطانيا، وحطت الطيور رحالها على الأرض في تجمعات لا مثيل لها في مشهد نادر لم يألفه البشر!
لقد أعادت الجائحة للحياة الطبيعية بهجتها وجمالها واستمتع البشر بمناظر الحيوانات والطيور، وهي تتجول بالقرب من منازلهم وفي أفنيتهم دون أن تخشى سطوتهم، حتى الحيوانات، التي اختفت وتوقع الناس أنها انقرضت عادت للحياة من جديد، فهذا قنديل البحر يزاحم الأسماك في مياه مدينة البندقية، والنمور تثير الرعب في شوارع تشيلي، ومجموعة من الأسود تمضي فترة القيلولة في أحد متنزهات جنوب إفريقيا!
تغير منطق الحياة في زمن كورونا، وأصبح البشر حبيسي بيوتهم أو أقفاصهم، إن جاز التعبير، وفرجة للحيوانات على اختلاف طبائعهم، لقد عادت الحياة بجمالها وعفويتها إلى شوارع المدن، والسؤال لماذا عادت الحيوانات؟
تعتمد الكائنات الحية على ما يسمى "خرائط الخوف" وهي خرائط ذهنية تدفع الكائن الحي للبقاء في المناطق الأكثر أمنا وتجنب الأماكن الخطرة، التي ساعدتنا في هذه الجائحة على اكتشاف أن البشر هم أخطر الكائنات على الحياة ومن أكثر القتلة انتشارا!
فنحن نقتل الحيوانات، ليس فقط للتغذية، بل للتسلية أو من غير قصد عن طريق دهسها بالسيارات، لذا كان من المنطق أن غيابنا عن الشوارع والملاعب والساحات فرصة للحيوانات لكي تسترخي وتتنفس الصعداء. تقول ليانا زانيت، اختصاصية علم الأحياء في جامعة ويسترن: "بالتأكيد كل هذا متسق مع خريطة الخوف"؛ فالكيفية التي تتفاعل بها الحيوانات حال اختباء البشر، بمنزلة تجربة لم يخطط لها، يمكنها تقديم تفاصيل جديدة حول الطرق واسعة الانتشار، التي يشكل بها الحذر من البشر عالم الطبيعة!".
ولدى معظم الحيوانات أسباب وجيهة للخوف من البشر. فقد أفاد تحليل في 2015 بأن الصيادين الذين يمارسون الصيد من أجل الترفيه أو لأغراض تجارية يصطادون فرائسهم بمعدلات تصل إلى 14 ضعف معدلات اصطياد المفترسات الأخرى لفرائسها، لذا أطلق بعض علماء الأحياء مصطلح "المفترسات الفائقة" على جنسنا البشري!
إنشرها