default Author

التفاعلات بين الاقتصاد والسياسة «2 من 3»

|
من مبادئ الاقتصاد السياسي الأساسية أن الفائزين لا يرغبون في تحمل ضريبة لتعويض الخاسرين. ويحدد الفرد موقفه من المعركة، ليس على أساس مصلحة المجتمع، لكن على أساس المعسكر الفائز والمعسكر الخاسر. فمصلحة البلد قد لا تكون مصلحة الإقليم أو المجموعة أو القطاع أو الطبقة - وبالتالي ستتم معارضتها.
حتى في النظم الحكومية المختلفة، قد يرى كثيرون أن السياسة تتبع قاعدة ذهبية، هي أن من يملك الذهب هو من يضع القواعد. فالمجموعات ذات المصالح الخاصة تضطلع فيما يبدو بدور كبير حول العالم، سواء في النظم الديمقراطية أو غيرها. وتتضمن هذه المجموعات الأثرياء، الصناعات القوية، البنوك والشركات الكبيرة، والنقابات العمالية المؤثرة.
وهل يوجد تفسير آخر لتحمل الأمريكيين ضعفين أو ثلاثة أضعاف السعر العالمي للسكر؟ في الولايات المتحدة، لا يوجد سوى عدد قليل من مزارع قصب السكر وبضعة آلاف من مزارعي بنجر السكر - و330 مليون مستهلك للسكر. وقد يعتقد البعض أن تأثير 330 مليون شخص على السياسة يفوق تأثير بضعة آلاف، لكنهم مخطئون. فعلى مر العقود، أدى الدعم والحواجز التجارية إلى سؤال: ما الاقتصاد السياسي؟
آدم سميث، وديفيد ريكاردو، وجون ستيوارت ميل، هم في نظر الكثيرين رواد علم الاقتصاد الحديث، لكنهم أطلقوا على أنفسهم لقب الاقتصاديين السياسيين، وظل كتاب مبادئ الاقتصاد السياسي الذي ألفه ميل هو الوثيقة الأساسية للاقتصاد السياسي منذ صدوره عام 1848 حتى نهاية القرن. ولم يستطع هؤلاء المنظرون الأوائل الفصل بين عالم الاقتصاد وعالم السياسة.
لكن ظهر اتجاهان أديا إلى فصل التحليل السياسي عن التحليل الاقتصادي. أولا، بدأت الحكومات في الحد من سيطرتها المباشرة على الاقتصاد. ثانيا، ظهرت نظم سياسية مختلفة، حيث تحولت أوروبا من النظام الملكي الذي كان مطبقا في جميع دولها تقريبا إلى نظم حكومية أكثر تنوعا واعتمادا على التمثيل السياسي. ومع أوائل القرن الـ20، أصبح الاقتصاد والسياسة علمين منفصلين.
واستمر هذا الانفصال لفترة طويلة خلال القرن الـ20.
ففي ظل الكساد الكبير ومشكلات التنمية، كانت القضايا ذات الطابع الاقتصادي الخالص مقلقة بدرجة كافية لشغل اهتمام الاقتصاديين. وبالمثل، كانت المشكلات السياسية لهذا العصر جسيمة للغاية - حربان عالميتان وصعود أنظمة جديدة -، ما استلزم التركيز عليها بشكل منفصل.
لكن مع حلول السبعينيات، اتضح أنه من الخطأ الفصل بين المجال الاقتصادي والمجال السياسي. فقد شهد هذا العقد انهيار نظام بريتون وودز النقدي، وصدمتين في أسعار النفط، وكسادا تضخميا، ما سلط الضوء على التداخلات بين المسائل الاقتصادية والسياسية. وأصبح الاقتصاد من مجالات السياسة ذات الأولوية، وأصبحت السياسة مرتبطة في معظمها بالاقتصاد.
وحسب التحليل النهائي، تؤول الأمور إلى الأسوأ في جميع الدول في حالة انعدام التعاون بينها، لكن ما السبب في إيلاء أهمية أكبر لمجموعة صغيرة من منتجي السكر على حساب باقي البلد؟ من مبادئ الاقتصاد السياسي المعروفة أن المصالح المركزة تفوز عادة على المتفرقة. فمنتجو السكر يشكلون تكتلا قويا ويعملون جاهدين من أجل التأثير في السياسيين. ونظرا لأن أنشطتهم قد تتوقف ما لم يحصلوا على معاملة تفضيلية من الحكومة، كان لزاما عليهم أن ينظموا أنفسهم لتمويل السياسيين وتشكيل مجموعة ضغط عليهم. وتقدر التكلفة التي يتحملها المستهلكون بنحو مليارين إلى ثلاثة مليارات دولار سنويا. وهو مبلغ ضخم، لكنه لا يمثل سوى سنتين يوميا للمواطن الأمريكي العادي. ولن يخاطب المستهلك أي ممثل منتخب أو يهدده بانتخاب خصمه بسبب تحمله سنتين يوميا.
كذلك تساعد حقيقة تكتل المنتجين وانقسام المستهلكين في تفسير حماية التجارة. فبإمكان مصنعي السيارات القليلين تنظيم أنفسهم، بينما يصعب ذلك على عشرات الملايين من مشتري السيارات. وليس ذلك فحسب، فقد يوجد خلاف بين الإدارة والعمالة في قطاع السيارات بشأن أمور كثيرة، لكن مصنعي السيارات والعاملين بالقطاع متفقون على رغبتهم في حماية أنفسهم من المنافسة الأجنبية. ومن الصعب على السياسيين - ولا سيما في المناطق التي تحظى فيها صناعة السيارات بأهمية كبيرة - عدم تلبية المطالب المشتركة للعاملين والملاك في مثل هذا القطاع القوي.
وربما لا يعد ذلك أمرا سيئا. فمزارعو السكر والعاملون في قطاع السيارات يعتمدون في معيشتهم على السياسات الداعمة. من بإمكانه أن يقرر ما إذا كانت وظائفهم أقل أهمية من تخفيض أسعار المستهلكين؟ لا توجد طريقة بسيطة متعارف عليها للموازنة بين المنافع والتكاليف. هل تخفيض سعر السكر مهم بالدرجة الكافية لإفلاس آلاف المزارعين الكادحين؟ تمثل السياسة في الواقع الآلية التي يحكم بها المجتمع بين المصالح المتضاربة، وربما ينبغي إيلاء أهمية أكبر لرأي الفئات الأكثر عرضة للخطر... يتبع.
إنشرها