Author

سر مرونة الصين الاقتصادية «2 من 2»

|
إن الصين زادت من مشاريع البنية الأساسية المادية والاستثمارات اللوجستية بمعدل تجاوز 20 في المائة سنويا على مدار الأعوام الـ 15 الأخيرة، فأسفر ذلك عن إنشاء طرق سريعة محلية جديدة ومحسنة، وسكك حديدية، ومطارات، ومرافق الموانئ. وخلال العقد الأخير، على سبيل المثال، أنشأت الصين شبكة سكك حديدية عالية السرعة بطول أكثر من 35 ألف كيلومتر. وهو العامل الثاني الذي ساعد على التنمية الداخلية.
والعامل الثالث، أنه منذ بداية هذا القرن، دأبت السلطات الصينية على دعم بناء شبكات واسعة النطاق للبنية الأساسية للمعلومات والاتصالات، وشجعت الشركات الخاصة على الإبداع في القطاعات التكنولوجية المتطورة مثل الدفع عبر الأجهزة المحمولة، والتجارة الإلكترونية، وإنترنت الأشياء، والتصنيع الذكي. ساعد هذا على تعزيز ظهور عديد من شركات التكنولوجيا الدولية المحلية، بما في ذلك "على بابا، Tencent، JD.com". وفي بداية 2020، قررت الحكومة إطلاق جولة جديدة من الاستثمار الواسع النطاق في محطات الجيل الخامس من الاتصالات.
أخيرا، عملت الحكومة الصينية بنشاط على تعزيز الخطط الاستراتيجية الوطنية التي تستهدف دمج المناطق الاقتصادية الضخمة المحلية وتوليد الطلب المحلي. ويشمل هذا بناء منطقة شيونجان الجديدة، حيث سيجري نقل وظائف العاصمة غير الأساسية من بكين، وهذا من شأنه أن يعجل بتطوير مثلث بكين وتيانجين وخبي. إضافة إلى هذا، كانت الحكومة تعمل على تطوير منطقة خليج جوانجدونج - هونج كونج - ماكاو الكبرى وتشجيع التعاون الأوثق بين 16 مدينة تقع على حزام نهر يانجتسي. وكانت دلتا نهر يانجتسي تقود عملية التكامل الاقتصادي بين المقاطعات الصناعية في الأغلب، بقيادة شنغهاي.
على نحو مماثل، حصل اثنان من أهم المراكز الحضرية في جنوب غرب الصين ــ تشنجدو، عاصمة إقليم سيشوان، وتشونجتشينج، المدينة الرئيسة الواقعة عند منابع نهر يانجتسي ــ على حوافز لإنشاء "دائرة المدينة المزدوجة" من خلال التعاون الاقتصادي الأوثق. علاوة على ذلك، فإن مشاريع مثل خط السكك الحديدية للشحن إلى أوروبا من غرب وجنوب غرب الصين، و"القناة البرية البحرية الجديدة" إلى الجنوب، لن تساعد على تعزيز اقتصاد البر الصيني الرئيس فحسب، بل ستساعد أيضا على تثبيت استقرار سلاسل الإمداد العالمية.
في الواقع، على الرغم من التحول الجاري في ثـقـلها الاقتصادي، لن يكون لدى الصين بكل تأكيد أي حافز للانفصال عن سلاسل الإمداد التكنولوجية العالمية أو التقهقر إلى العزلة. بل على العكس من ذلك، ستظل الصين مشاركا نشطا ومساهما في التجارة العالمية والاستثمار. وفي فتح مزيد من فرص الوصول إلى أسواقها المحلية أمام المستثمرين الأجانب، ستزيد الصين من دعم العولمة من خلال المساعدة على تصحيح اختلالات التجارة العالمية. ومن شأن الجهود المبذولة لتحفيز الطلب المحلي أن تعمل على إيجاد مزيد من التوسع والفرص للمستثمرين المحليين والأجانب، وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي العالمي في المستقبل.
من السذاجة أن نعتقد أن الانفصال التكنولوجي القسري، أو العقوبات التجارية، أو التغييرات القسرية في سلاسل الإمداد العالمية، قد تضع حدا لتوسع الصين الاقتصادي في المستقبل. وإذا كان المنتقدون يعانون قـصـر النظر إلى الحد الذي يعجزون معه عن رؤية هذا الواقع، فإن الخسارة ستكون من نصيبهم.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2020.
إنشرها