default Author

الألوان القاتلة

|
للألوان سحرها الخاص، ووقعها في النفس، تتسلل من عينيك إلى أعماقك بلا استئذان، ولا تستطيع أن تنسجم مع الحياة دونها. هي لغة من لغات الكون الصامتة، التي تخاطب روحك وتبعث لك رسائل الحب والكره، والفرح والحزن، والحرب، والسلام!
عشق الإنسان الألوان، وحاول استخلاصها من الطبيعة لكي يستخدمها في تلوين ملبسه ومسكنه ومقتنياته، لكن التجربة لم تكن بجمال الألوان نفسها في الطبيعة، فقد كان الموت والمرض يختبئان خلف ذلك السحر الذي تضفيه على الحياة!
من أشهر الأمم، التي اهتمت بالألوان، الرومان، حيث صنعوا الألوان وباعوها، وكانت إحدى ركائز التجارة لديهم، وأدخلها الفراعنة في صناعة مواد التجميل. ومن أوائل الألوان، التي اكتشفها الإنسان وحاول تصنيعها من الطبيعة، اللون الرصاصي "بخلط معدن الرصاص بالخل المركز وتجفيفه للحصول على بودرة ذات لون رمادي أو أبيض رصاصي"، الذي مكن الفنانين من إنتاج درجات مختلفة من الألوان، فلم يكن مهما في حد ذاته، بل ما منحه للرسامين من طيف ألوان واسع حاكوا به الطبيعة، لكنهم لم يكونوا يشعرون بالخطر الكامن خلف خلطتهم السحرية، فكان المرض يفتك بهم دون أن يعلموا سببه، عند استنشاق غباره ولمسه أو تذوقه، ما تسبب في مرض غامض لمصنعيه وللرسامين أنفسهم، فعانوا الصداع، وآلام البطن، والمفاصل، وتشنج العضلات، وفقدان الوزن، إضافة إلى ارتفاع ضغط الدم، الذي عرف فيما بعد بمغص الرسامين أو تسمم الرصاص، بعد أن اكتشفوا مصدره، ومع ذلك لم يتوقفوا عن استخدامه حتى نهاية القرن الـ19!
لقد لاحظوا أن تعريض ذلك المزيج للنار يمنحه لونا أحمر براقا "الرصاصي الأحمر"، استخدمه الفراعنة في رسم "بورتريهات" الفيوم الجنائزية على توابيت الموميات للشخص المدفون في التابوت إبان فترة الوجود الروماني في مصر، التي تعد من أقدم اللوحات في العالم، اكتشف منها نحو 900 لوحة في مقابر الفيوم. والعجيب أن الألوان لم تتغير، بل تشعر عندما تراها أنها لم تجف بعد، لكنها لا تقل سمية عن سابقتها!
وعندما خلطوا مزيج اللون الرمادي بعنصر "الأنتيمون"، خرج لهم لون أصفر شديد السمية تسبب في إصابة كل من يتعامل معه بالإسهال والقيء والنزيف الدموي والهلوسة!
يقال إن هذه الألوان قد تكون هي السبب فيما عرف بـ"لعنة الفراعنة"، فكانت المواد السامة والإشعاعية المستخدمة تقتل كل من حاول اكتشاف أسرار مقابرهم!
ويبقى السؤال، كيف اكتشفوها؟ وكيف وجدوا طريقة لحماية أنفسهم منها؟ لقد كانت رسوماتهم تبين رؤوسا عليها كمامات، وكأنها كائنات فضائية قدمت من كوكب آخر!
إنشرها