Author

لبنان .. الارتهان وتدمير الاقتصاد

|

يعاني لبنان انهيارا اقتصاديا هو الأسوأ منذ عقود. وخسر عشرات الآلاف منذ الخريف مصادر أرزاقهم أو جزءا من مداخيلهم جراء الأزمة التي دفعت مئات الآلاف للنزول إلى الشارع ناقمين على الطبقة السياسية. ويتواصل التدهور الاقتصادي على مدى الأشهر الماضية بمعدلات خطيرة، دون أن تظهر أي مؤشرات على حصوله على دعم إقليمي أو دولي، بعد أن نأت دول المنطقة والعالم عنه، بسبب هيمنة "حزب الله" على مقدرات البلاد، وسياساتها الإقليمية والدولية.
وفيما يتواصل تدهور الاقتصاد، بعد أن أحرق لبنان جسوره مع أقرب الدول الشقيقة له، فكانت نتيجة هذا الانهيار المتواصل تراجع سعر وقيمة الليرة اللبنانية بشكل مخيف وهذا الوضع ليس مفاجئا لأحد، وسيتواصل في ظل الوضع السياسي "والميليشياتي" الراهن. هذا التراجع المهين للعملة اللبنانية، الذي بلغ 80 في المائة منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ليس إلا نتاجا طبيعيا للحالة السياسية في البلاد، وهي حالة فريدة من نوعها في العالم .. لماذا؟ لأن في لبنان دولة أخرى ليست موازية بل تفوق الوطن تأثيرا، ولا تنتج سوى الخراب. وهذه "الدولة الأخرى" المتمثلة في "حزب الله"، إرهابية طائفية لا تعدو عن كونها "متصرفية" إيرانية مشينة، هدفها المعلن تخريب هذا البلد، ونزع هويته العربية، وتشريد ما أمكن من مواطنيه. هذا الحزب الطائفي كان وقحا أيضا، لدرجة أنه يتباهى بعمالته لنظام علي خامنئي مباشرة، بل قال رئيسه المصنف إرهابيا هو وحزبه حسن نصر الله علنا، إن ولاءه الأول والأخير للمرشد الإيراني، وإن السبب الوحيد لوجود هذا الحزب، هو حماية المصالح الإيرانية.
إن هذه الحالة أوجدت إرباكا واسعا على الساحة الدولية، فيما يرتبط بمساعدة لبنان اقتصاديا. حتى إن كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي قالت "ليس لدي أي سبب حتى الآن لتوقع تحقيق تقدم في المفاوضات مع لبنان، لمساعدته على حل أزمته الاقتصادية". والكلام مفهوم، وهي تعني أن لبنان خاضع تحت سيطرة "حزب الله" الذي وضعته أغلبية الدول في قائمة الإرهاب، وارتهانه لإيران يمثل عبئا آخر على الشعب اللبناني، ولا سيما الأغلبية التي تعرف (كما يعرف العالم) أن طهران تتعامل مع لبنان وكأنه محافظة إيرانية. ومن مصائب هذا البلد، أن نظام الملالي يتعاطى معه أيضا كمورد مالي، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية الهائلة التي تعيشها إيران منذ أعوام عديدة. بل وردت أنباء عن ترحيل مئات الإيرانيين المصابين بوباء كورونا المستجد إلى مستشفى تابع لميليشيا حزب الله جنوب لبنان، وإدخالهم إلى البلاد حتى دون تسجيلهم في السجلات الوطنية.
إن الاقتصاد اللبناني يتدهور منذ أعوام، بفعل الوضع الذي يعيشه. فالبطالة وصلت إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، والفقر ارتفع إلى معدلات فلكية، والغلاء يضرب بصورة متصاعدة السلع الأساسية، إلى جانب التراجع المستمر لليرة. ماذا حدث؟ انتفض الشعب اللبناني في الفترة الماضية، وأغلق الشوارع، وعطل المؤسسات احتجاجا على حالته المتهاوية أيضا. فكان طبيعيا أن يطلق على انتفاضته هذه "ثورة الغضب". وهي في الواقع مشابهة للانتفاضات التي اندلعت في وجه نظام علي خامنئي عشرات المرات على الساحة الإيرانية نفسها. ومع دخول قانون "قيصر" الأمريكي الذي يعاقب كل من يتعامل مع نظام بشار الأسد في سورية، صارت الضغوط على لبنان بفعل سيطرة "حزب الله" قوية، إلى درجة أن هرب نصر الله مئات الملايين من الدولارات إلى نظام الأسد أخيرا، لدعم هذا النظام المتهاوي أصلا سياسيا واقتصاديا.
إن لبنان بتراجع عملته إلى هذا المستوى المفجع، صار في دائرة الانهيار الاقتصادي التام. فقبل ثلاثة أشهر تخلف عن السداد، وآلاف المتاجر والملاحم والشركات، أوقفت أعمالها تماما، لأنها غير قادرة على توفير العملة الصعبة للاستيراد. ولبنان بلد يعتمد على الاستيراد بمستويات مرتفعة جدا. بينما وصل سعر الدولار مقابل الليرة إلى 7600، في حين يحدد البنك المركزي السعر بـ3900 كحد أقصى، كما أن البنك لا يزال يربط العملة عند 1500 للدولار، ويطبقه على واردات القمح والأدوية والوقود.
ونتيجة كل هذه السياسات الخاطئة والتبعية المفرطة لأكبر دولة ترعى الإرهاب في العالم وتعمل على زعزعة أمن المنطقة، حقيقة وفعلا فإن هذا المشهد يوصف بأنه الخراب لبلد لا يمكنه التصرف في شؤونه، لبلد مرتهن لنظام إيراني إرهابي طائفي بغيض، لا يسعى إلى تخريب لبنان فقط، بل المنطقة بأكملها. والأمثلة كثيرة على الساحة الإقليمية.
وخلاصة القضية أنه ونتيجة الارتماء في أحضان إيران أصبح لبنان بعيدا عن عروبته وقوميته العربية، ما أدى إلى جعله يعيش مشهدا كارثيا اقتصاديا وسياسيا وفي حالة تفكك وانقسام. وبهذا الوضع خالف لبنان الإجماع العربي، لأن قراره بيد الملالي وأصبحت الأمور تسير من يوم إلى يوم إلى الأسوأ.

إنشرها