Author

جماعة التآمر .. أعداء الباطن

|

عانت الجزيرة العربية قرونا من الانغلاق الحضاري، عندما استولى العثمانيون على مقاليد الأمر في البلاد العربية كلها. وخلال تلك العصور البائسة، شهدت هذه البلاد عجزا شديدا في الموارد، وانقطعت بهم سبل التواصل مع العالم الخارجي، ومنعت عنهم، عن قصد، أسباب الحضارة والاتصال بشعوب الأرض، ما قاد إلى تراجع كبير في التعليم والصحة والاقتصاد. ورغم المحاولات الجادة من أبناء هذه البلاد لتجاوز تلك المحنة من خلال التضحيات الضخمة التي قادتها الدولتان السعودية الأولى والثانية، ورغم تلاحم الناس معهم، إلا أن الجيوش كانت تصل تباعا لقتل وتشريد الناس، حتى قيض الله الملك عبدالعزيز، في أوائل القرن العشرين، كي ينهض بأبناء الجزيرة العربية ويحررهم، ومنحه من الثروات ما قد أعمى بصيرة العثمانيين عنها، وأطاعه الناس لما رأوا من تدينه وحقنه الدماء وتأمين الناس في معيشتهم. وجاء أبناؤه من بعده بملحمة تاريخية كبرى، فنهضت الأمة من السبات، وعم التعليم كل مدينة وقرية، وأنشئت المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة، ووجدت المرأة فرصا للتعليم، متساوية مع الرجل.
هذا التغيير الذي عم أنحاء المملكة بعد التوحيد المبارك، لم يكن ليقف خيره هنا، بل أسهمت السعودية في إنشاء الجامعة العربية، وضمت الشعوب العربية كلها، دعوة حقة إلى كلمة سواء، ثم تم إنشاء مجلس التعاون الخليجي، وانطلقت المملكة في جهود جبارة لنشر العلم في دول العالم الإسلامي، واستضافت الدارسين، وعقدت الاتفاقيات الدولية لضمان السلام والسلم العالمي، وانتفع بخيرها شعوب الجوار. لكن هذا كله لم يكن ليمر دون عداوة صريحة أو مبطنة، وإذا كان العدو الصريح واضحا، والمملكة تعمل على معالجة شره، فإن معاملة أعداء الباطن ممن يظهرون غير ما يعلنون، كانت دقيقة، ومعالجة شرهم كانت تتطلب الصبر، خاصة قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كان شرهم محدودا ودورهم محصورا، في تلك الفترة كانت السياسة السعودية المبنية على التزام الصمت فاعلة تماما.
فجماعة الإخوان، التي لم تنجل عنها غمامة العهد العثماني، ولم ينكشف لها عوار ذلك العهد، وما فعله بأبناء الجزيرة العربية، خصوصا جعلهم يعملون على إعادة إحياء ذلك العصر، متلبسين بشبهة أنه العصر الإسلامي المجيد، وهو أبعد ما يكون عن ذلك.
ومع كل مغامرة ومقامرة من جانب أولئك العابثين بحاضر الأمة ومستقبلها، تعاملت المملكة معهم في بادئ الأمر بالحسنى، ذلك أن حكام وعلماء هذه الدولة كانوا يدركون أن من بينهم من غرته الدعوات الكاذبة، كما أن السعودية في نشأتها، تريد أن يرى هؤلاء الفرق بين ما سيتم إنجازه على أرض المملكة، وبأيدي أبنائها، وما أنجزته لهم دعوات الخلافة العثمانية البائدة. وكان الفرق هائلا فما أنجزه الشعب السعودي بقيادة أبناء المؤسس، يعد معجزة في تاريخ الشعوب، ويكفي أننا بعد ذلك نواجه جائحة بحجم كورونا بشباب سعودي، وبمستشفيات متطورة، وبطرق ومسارات أفضل بكثير من دول عدة.
ويكفي أننا اليوم نقف وملكنا رئيس الدورة الحالية لأكبر مجموعة اقتصادية في العالم، ووسائل الإعلام العالمية تترقب وتنتظر ما يصدر عن الرياض من مواقف خاصة فيما يتعلق بأسعار النفط والطاقة. كان هذا وغيره، كفيلا، ويكفي كي يرى المنخدعون حقيقة الدعوات البائسة للعودة إلى الوراء، خلف سراب الخلافة العثمانية المزعومة، لكن الحراك الإخواني كان يعمل في الخفاء، يبحث له عن ملاذ آمن، وعن عش للخراب، حتى وجد ضالته في قطر، التي رأى حكامها منذ الانقلاب البائس أن المملكة تقف صخرة صلبة أمام أحلام الصغار. ورغم أن حكومة السعودية كانت ترصد تحركاتهم كلها، وتقمع رؤوس الفتنة إذا أطلت، فقد مضت في طريق حضارتها لا تعقب ولا تعلق، حتى استطاع هؤلاء الطغمة، من خلال انتشار وسائل التواصل، بث فتنتهم مرة أخرى، مزودين بتمويل ضخم، ودعم من تركيا وأحلام الخلافة، وفق خطط مرسومة انتهت بعموم الفوضى في العالم العربي، لم تسلم منه إلا دول فهمت رسائل الحكومة السعودية، فتجنبت الفتنة التي أيقظها الصغار، فانتشرت نار الخراب رغم الجهود الضخمة لاحتواء الأمر.
أدركت القيادة السعودية أن سياسة التزام الصمت لم تعد تنفع مع هؤلاء المجرمين، فكانت لهم بالمرصاد، تكشف مخططاتهم في كل زاوية، وتبين للناس أن منبع الفتنة لم يزل في قطر، ويجد منها دعمه وقوته. وقد طالبت المملكة مرارا وتكرارا حكومة قطر، بأن تدفن هذه الفتنة في مهدها، وألا تقف منها موقفا ضبابيا، لكن زمام الأمر في قطر، انفلت مع الفكر الإخواني القائم على إحياء "العثمانية"، الذي تغلغل، فسارعت المملكة مع دول المقاطعة إلى فضح هذا الدور الخطير لقطر أمام الأمة كلها، وأيضا الشعب القطري نفسه، حتى يسهم مع باقي الشعوب العربية في إنقاذ المسار العربي والعودة إلى النهضة الحضارية التي تقودها المملكة.
ومع ذلك، ظلت حكومة قطر ولفيفها، في التزوير والتلفيق والعبث بالوعي العربي، مستخدمة أساليب التلاعب الإعلامي كلها، لكن الحقيقة تأبى إلا أن تظهر، فما التسريبات الأخيرة التي ظهرت على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي كافة، إلا فضيحة جديدة تبين إلى أي قاع مضت فيه قطر، وإلى أي تآمر جرت فيه الشعب القطري والشعوب العربية ضد مصالحهم ومقدراتهم وضد وحدتهم. ولا أدل على هذا من أن قطر أسهمت في سقوط القذافي وانتشار الفوضى في ليبيا، ثم تأتي التسريبات لتكشف الوجه الآخر المظلم، وحمد آل ثاني، يتحدث مع القذافي بكل ود ويتآمر معه على الحكومة والشعب السعودي، في وقت كانت السعودية تمد يدها للشعب القطري، وتفتح أجواءها لطائرات حمد آل ثاني، للعبور إلى ليبيا للتآمر هناك عليها.
أثبتت التسريبات أن الإخوان جماعة تحولت إلى تنظيم، وأنها مجرد أداة مفضوحة بيد أحلام إعادة العثمانيين إلى العالم العربي، حتى يعود الاستعمار والتجبر والاضطهاد. لقد أثبتت التسريبات أن العنصرية جزء لا يتجزأ من هذا الفكر، وظهرت صارخة في تسريبات حمد مع القذافي، وهو نطق بالعبارات العنصرية ضد الرئيس الأمريكي حينها. وهذه العنصرية لن تنفك حتى تعيد الشعوب العربية إلى الأسر التركي بعدما أنقذها الله منه، وإذا كانت قطر قد وقعت في الأسر، وبدلا من أن تستعين بالمملكة لإنقاذها من براثن هذا الاستعمار الجديد، تجري خلف أوهام الإخوان الذين لن يقفوا حتى يعود العثماني إلى حكم قطر صراحة، ويعود بشهوات الخلافة إلى العنصرية القديمة المقيتة.
كانت رسائل السعودية للشعوب العربية، واضحة صادقة بينة، وستظل تقف سدا منيعا ضد العودة إلى التخلف، وسترسم واقعا حضاريا جديدا أكثر وعيا، تمثل في قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بمؤازرة عضده مهندس الرؤية السعودية وملهم الشباب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

إنشرها