Author

انكماش أم كساد؟

|

أطلق فيروس كورونا العنان لأزمة صحية واقتصادية لم يسبق لها مثيل من حيث النطاق والحجم، مع المنع وإغلاق الحدود، وهو ما شل النشاط الاقتصادي. وبسبب ذلك، تكبدت معظم القطاعات الاقتصادية والتجارية خسائر كبيرة أثرت في حركة النمو، وتم الاستغناء عن ملايين العمال على الصعيد العالمي. ومع هذه القيود الخطيرة والواسعة النطاق المفروضة على الأنشطة الاقتصادية، ومع تزايد عدم اليقين، وصل الاقتصاد العالمي إلى طريق مسدود تقريبا في الربع الثاني من عام 2020. ونتيجة ذلك، يواجه العالم الآن واقعا كئيبا يتمثل في ركود حاد لم يسبق له مثيل منذ الكساد الكبير.
ومن هذا المنطلق، فإن التوقعات الاقتصادية العالمية تغيرت بشكل كبير منذ بدء معظم المؤسسات المعنية بمؤشرات الاقتصاد العالمي بإصدار تقريرها عن الحالة والتوقعات الاقتصادية خلال 2020، والمستقبل في 2021.
حتى الفروقات في تقديرات هذه الخسائر ليست كبيرة. فالكل يعرف أن اقتصاد العالم يمر بأسوأ أزمة منذ 80 عاما على الأقل، وبأعمق ركود منذ الكساد الكبير عام 1929، وبانكماش متصاعد هو الأخطر منذ الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في عام 2008. ناهيك عن المستقبل المجهول لبعض القطاعات، حتى في حالة انتهاء الوباء وتراجع آثاره في المرحلة المقبلة.
الوضع الاقتصادي سيء بالفعل، ومؤشراته لا تحتاج إلى من يدلل عليها، خصوصا في أعقاب التحذيرات التي أطلقتها الحكومات بأن التعافي لن يكون قريبا، أو على الأقل سيكون مكلفا جدا.
إن صندوق النقد الدولي، كان من أوائل المؤسسات التي أطلقت صفارات الإنذار فور تفشي الجائحة العالمية الخطيرة. وأخيرا، عزز الصندوق كل التوقعات بركود اقتصادي عالمي عميق وواسع، بل توقع أن تصل نسبة الانكماش العالمي إلى 4.9 في المائة، وخسارة الناتج المحلي الإجمالي العالمي 12 تريليون دولار في غضون عامين على الأقل. إنها توقعات وتقديرات خطيرة، ولا سيما في ظل اقتصادات وطنية كانت مغلقة أو شبه مغلقة.
لا يزال بعض الاقتصادات حتى اليوم قيد الإغلاق الكامل أو الجزئي. وهذا الأمر أنتج ملايين العاطلين عن العمل الذين فقدوا وظائفهم، ليس بسبب إغلاق مؤسساتهم فقط، بل خروج بعضها من السوق نهائيا أيضا. فحتى الدول التي كانت تتمتع باقتصادات قوية، تواجه تراجعات بأرقام مزدوجة ومتضاربة.
ولا شيء يمكن أن يدعم خطط التعافي في المستقبل القريب، سوى استمرار الحكومات في سياسات الإنقاذ لاقتصاداتها، ولا سيما قطاعات محورية بعينها. ومن غير هذه السياسات، فلن يشهد العالم تعافيا سريعا، دون أن ننسى، أن مؤسسات كبرى قد تخرج من السوق، لأنها باتت تستند إلى آليات الإنقاذ الحكومية، بل إن بعضها صار بصورة أو بأخرى، ملكية حكومية في دول تعتمد اقتصاد السوق الحرة.
وحال الاقتصاد العالمي مرتبط بحراك المؤسسات كلها، خصوصا في الدول التي لها تأثير مباشر في الأداء الاقتصادي العالمي، خاصة تلك المعروفة بقدراتها الإنتاجية المرتفعة.
الحال يتطلب - بالتأكيد - انفراجا في العلاقات التجارية على المستوى الدولي، وهذا ما أكدته أخيرا منظمة التجارة العالمية، التي شددت على الاستراتيجية الحكومية في الإنقاذ والتعافي.
الاقتصاد العالمي بات أحوج الآن إلى حراك مرن يستند إلى تفاهمات، وإلى استراتيجية الإنقاذ الإيجابية التي أشادت بها المؤسسات الدولية.
كما أن المطلوب أيضا تعاون يضمن سرعة عودة حركة الإنتاج إلى العمل، مع تسهيلات تجارية باتت حجر الزاوية في مرحلة التعافي على الأقل.
كما أن المعارك التجارية السائدة قبل انتشار كورونا، ستكون مقيدة "فيما لو استمرت" لأي انتعاش مرجو من جانب جميع الدول. فالانكماش واقع لا محال، ولا بد من تقليل الأضرار الناجمة عنه، واحتواء الخسائر الهائلة التي فقدها الاقتصاد العالمي. فلا يمكن أن يتحقق التعافي دون تعاون عالمي حقيقي، واحتضان طويل الأمد من الحكومات لعجلة الإنتاج في دولها.
باتت مؤشرات الاقتصاد العالمي مرهونة بجودة التعافي، وسرعة التخلص من الركود الحتمي العميق، الذي قد يتحول إلى كساد لن يتحمله هذا العالم على الإطلاق.
ويأتي من هذه النقطة والزاوية، التخوف القاتم والكبير من أن تستمر حالتا الانكماش والكساد فترة طويلة، وتكون مصاحبة لمؤشرات الاقتصاد العالمي لعام 2021، ويمكن حتى 2022.

إنشرها