Author

التجارة العالمية ومخاطر الانكماش

|
من أهم وأبزر أهداف مؤشرات التجارة العالمية هو رفع مستويات المعيشة، وزيادة الدخل الحقيقي والطلب الكفؤ، وتوسعة الإنتاج وزيادة حجم التجارة في السلع والخدمات، وأيضا الاستخدام الأمثل للموارد العالمية المتاحة وفقا للمخططات التنموية، والعمل على حماية البيئة والحفاظ عليها بما يتلاءم مع متطلبات التطور الاقتصادي العالمي. زيادة على تلك الأهداف، تفعيل الجهود الإيجابية لتأمين حصول الدول النامية، والأقل نموا، على نصيب وافر في معدلات النمو المرتفعة للتجارة الدولية للاستفادة من عائداتها المالية في تمويل مشاريعها التنموية الاقتصادية والاجتماعية.
ومن هذا المنطلق، تحاول منظمة التجارة العالمية التحرك في كل الاتجاهات من أجل ضمان وتيرة الأداء التجاري العالمي، في أعقاب تفشي وباء كورونا المستجد، الذي ضرب القطاعات كلها في جميع الدول.
وبرزت أزمة التجارة بصورة واضحة جراء الانعكاسات الاقتصادية لهذا الوباء، بما في ذلك تعرض الموازنات العامة لضغوط شديدة، خصوصا في الدول التي تعتمد على القطاع التجاري بصورة أوسع، وفي مقدمتها الدول النامية، ولا سيما الأشد فقرا منها.
ومع انفجار كورونا توقفت التجارة إلى حد خروج شركات ومؤسسات من السوق فعلا، بينما لا تزال البقية تعيش هاجس الخروج، خصوصا إذا ما طال أمد الجائحة الخطيرة. والمشكلة الرئيسة أن الآثار السلبية القاتلة على التجارة جراء الوباء، جاءت في الواقع في ظل حروب ومعارك تجارية تجري على الساحة الدولية، أي أن القطاع التجاري لم يكن في أحسن حالاته.
لذا، تتوقع منظمة التجارة العالمية تراجعا تاريخيا للتجارة الدولية 18.5 في المائة، خلال الربع الثاني من العام الجاري، ورغم هذا المستوى المرتفع، إلا أنها تعتقد أن الانكماش في هذا المجال سيكون أقل خطورة.
وهذه نقطة مهمة جدا، لأن جميع الدول تخشى انكماشا كبيرا على مدة زمنية طويلة.
لكن النقطة الأهم هنا، أن الحكومات تحركت منذ اليوم الأول لنجدة اقتصاداتها، وضخت حزم إنقاذ هائلة، بلغت في الولايات المتحدة وحدها خمسة تريليونات دولار. وهذه الاستجابة السريعة للأزمة، قللت - من وجهة نظر المنظمة الدولية - مخاطر الانكماش. غير أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد.
وعليه، يجب على الحكومات أن تواصل عمليات الإنقاذ هذه في المرحلة التي تعقب الانتهاء من الجائحة العالمية، لإبقاء الانكماش في أدنى حدود ممكنة، ولإعادة عجلة الإنتاج بصورة سريعة ومتماسكة أيضا، ما يدعم بالتالي وتيرة التجارة.
ومن هنا، تأتي إشادة منظمة التجارة العالمية بما قامت به الدول حيال صيانة قطاعات الاقتصاد فيها، التي أكدت أنها ماضية قدما في مسيرة الدعم والإنقاذ، حتى تعود الأمور إلى نصابها. والأهم من هذا كله، لا بد من أن تذهب جميع السياسات المتعلقة بالميزانية والمالية والتجارة في الاتجاه الذي يضمن انكماشا أقل، وركودا سريعا. ومن هذه النقطة يبرز الخوف الذي يسيطر حاليا على الساحة الدولية، من إمكانية حدوث ركود طويل سيتحول لاحقا إلى كساد فظيع. كل أنواع التجارة شهدت تراجعا كبيرا في الأشهر الخمسة الماضية، خصوصا تجارة السلع، وذلك بسبب توقف مكامن الإنتاج في أغلبية الدول. فقد تراجعت هذه التجارة ما بين 13 و32 في المائة في العام الحالي، على أن تتعافى ما بين 21 و24 في العام المقبل.
وعلى هذا الأساس، سيكون الوضع أسوأ من هذا، لولا التدخلات الحكومية المباشرة، إلى درجة وصلت في بعض الحالات إلى مستوى التأميم. لذلك، فإن الوضع الاقتصادي العالمي العام، سيشهد في العامين الجاري والمقبل حراكا كبيرا مستندا بصورة أو بأخرى إلى الدعم الحكومي، الذي وصل أيضا إلى حد قيام الحكومات بتسديد رواتب موظفي القطاع الخاص، من أجل الحيلولة دون تفاقم الأزمة المعيشية، فضلا عن الإبقاء على القوى العاملة جاهزة عندما تعود عجلة الإنتاج إلى الدوران في المستقبل القريب.
ولا بد من الإشارة هنا إلى ضرورة أن تتوقف المعارك التجارية في المرحلة اللاحقة، لأن العالم لن يتحمل استمرارها وهو يحاول أن يحتوي المصائب الاقتصادية الناجمة عن كورونا.
والمهم أيضا ضرورة دعم وسائل تطوير الإنتاج ومؤشرات حركة التجارة لدعم وتيرة الانتعاش الاقتصادي، من أجل دعم نمو الاقتصاد العالمي في العام المقبل عقب توقف نموه حاليا بسبب جائحة الفيروس.
إنشرها