انعدام الأمان الاقتصادي وفجوات التفاوت اليوم يعد من المشكلات البنيوية. تعمل الاتجاهات بعيدة الأمد في التكنولوجيا والعولمة على تجويف منطقة منتصف توزيع العمالة. والنتيجة هي مزيد من الوظائف السيئة التي لا توفر الاستقرار والأجر الكافي والتقدم المهني، وأسواق العمل الكاسدة بشكل دائم خارج المراكز الحضرية الكبرى.
يتطلب التصدي لهذه المشكلات الاستعانة باستراتيجية مختلفة تعالج تحدي توفير الوظائف الجيدة بشكل مباشر. ويجب أن يقع العبء على الشركات فيما يتصل باستيعاب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي تتسبب في إحداثها. ومن هنا فإن القطاع الإنتاجي يجب أن يكون في قلب الاستراتيجية الجديدة. بعبارة صريحة، يتعين علينا أن نغير ما ننتج، وكيف ننتجه، ومن له حق إبداء الرأي في هذه القرارات. وهذا لا يتطلب سياسات جديدة فحسب، بل يستلزم أيضا إعادة تشكيل السياسات الحالية.
إن سياسات سوق العمل النشطة المصممة لزيادة المهارات والقابلية للتوظيف يجب أن يجري توسيعها لتتحول إلى شراكات مع الشركات، وأن تستهدف بشكل صريح إيجاد وظائف جيدة. ويجب الاستعاضة عن السياسات الصناعية والإقليمية التي تركز حاليا على الحوافز الضريبية وإعانات دعم الاستثمار بخدمات أعمال وتسهيلات مصممة خصيصا لتسهيل إيجاد فرص العمل بأقصى طاقة. كما يجب إعادة تصميم أنظمة الإبداع والابتكار الوطنية لتوجيه الاستثمارات في التكنولوجيات الجديدة في اتجاه أكثر ملاءمة لتشغيل العمالة. ويجب أن نعمل على ربط سياسات مكافحة تغير المناخ، مثل الصفقة الخضراء الأوروبية، بشكل صريح بإيجاد الوظائف في المجتمعات المتأخرة. يتطلب النظام الاقتصادي الجديد مقايضة صريحة بين الشركات الخاصة والسلطات العامة. فلتحقيق الازدهار، تحتاج الشركات إلى قوة عمل ماهرة يمكن التعويل عليها، وبنية أساسية جيدة، ونظام إيكولوجي من الموردين والمتعاونين، وسهولة الوصول إلى التكنولوجيا، ونظام سليم للعقود وحقوق الملكية. ويمكن توفير أغلب هذه العناصر من خلال العمل العام والجمعي، وهذا هو جانب الحكومة من الصفقة.
تحتاج الحكومة بدورها إلى حرص الشركات على استيعاب المؤثرات الخارجية العديدة التي تنتجها قراراتها المتعلقة بالعمل، والاستثمار، والابتكار التي تؤثر في مجتمعاتها. كما يتعين على الشركات أن تفي بجانبها من الصفقة ليس كمسؤولية اجتماعية شركاتية، بل كجزء من إطار تنظيمي وإداري واضح.
في المقام الأول من الأهمية، يجب أن تتخلى الاستراتيجية الجديدة عن الفصل التقليدي بين السياسات الداعمة للنمو والسياسات الاجتماعية. إن النمو الاقتصادي الأسرع يتطلب نشر تكنولوجيات وفرص إنتاجية جديدة بين الشركات الأصغر حجما وقطاعات أعرض من قوة العمل، بدلا من قصر استخدامها على نخبة ضيقة. كما أن آفاق تشغيل العمالة الأفضل تساعد على تضييق فجوات التفاوت والحد من انعدام الأمان الاجتماعي بشكل أكثر فاعلية من عملية إعادة التوزيع المالي وحدها. الأمر ببساطة أن أجندة النمو والأجندة الاجتماعية هما الشيء ذاته.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2020.
