Author

توطين الوظائف العليا في القطاع الخاص

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أظهر أحدث بيانات التوظيف في منشآت القطاع الخاص، حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري الصادرة عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ارتفاعا سنويا في إجمالي أعداد العمالة المواطنة بنسبة 1.0 في المائة، استقر بنهاية الربع الأول 2020 عند مستوى 1.72 مليون عامل، بصافي ارتفاع سنوي في أعداد العمالة المواطنة وصل إلى نحو 17.5 ألف عامل، وبالنظر إلى تفاصيل ذلك الارتفاع تظهر البيانات أن أعداد العمالة من المواطنين الذكور سجلت انخفاضا سنويا بنحو 10.2 ألف عامل "نسبة انخفاض سنوي 0.9 في المائة"، لتستقر بنهاية الربع الأول عند أدنى من مستوى 1.15 مليون عامل، وعلى العكس من ذلك بالنسبة للعاملات الإناث المواطنات، اللاتي سجلت أعدادهن ارتفاعا سنويا بأعلى من 27.6 ألف عاملة "نسبة ارتفاع سنوي 5.1 في المائة"، لتستقر بنهاية الربع الأول عند أعلى من مستوى 571.5 ألف عاملة.
في المقابل، سجل إجمالي أعداد العمالة الوافدة انخفاضا سنويا طفيفا لم تتجاوز نسبته 0.6 في المائة، استقر بنهاية الربع الأول 2020 عند أدنى من مستوى 6.7 مليون عامل وافد، بصافي انخفاض سنوي في إجمالي أعداد العمالة الوافدة وصل إلى نحو 38.7 ألف عامل وافد، وتركز الانخفاض السنوي على العمالة الوافدة من الذكور بأعلى من 60.9 ألف عامل "نسبة انخفاض سنوي 0.9 في المائة"، مقابل ارتفاع العمالة الوافدة من الإناث بنحو 22.3 ألف عاملة "نسبة ارتفاع سنوي 10.2 في المائة".
الجدير ذكره هنا أن هذه التطورات لأعداد العمالة في منشآت القطاع الخاص "563.4 ألف منشأة وفقا لبيانات التأمينات الاجتماعية"، عكست في أغلبها الأوضاع الاقتصادية ما قبل بدء انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19 التي لم تبدأ في تأثيراتها إلا خلال آخر أسبوعين من الربع الأول من العام الجاري، ويتوقع أن تنعكس تأثيراتها على وضع الوظائف في القطاع الخاص بصورة جلية خلال الربع الثاني الجاري، وكما تشير الدلائل الأولية غير المثبتة حتى تاريخه فقد تحمل معها انخفاضا في أعداد العمالة من المواطنين والوافدين على حد سواء، ويؤمل ألا يكون كبيرا في جانب العمالة المواطنة قياسا على الدعم الحكومي السخي جدا الذي تم تقديمه للقطاع الخاص طوال الفترة.
وخلال الفترة الراهنة التي تشهد تخفيفا متدرجا للاحترازات الحكومية تجاه الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19 وما سيتخللها خلال الأشهر المقبلة بالتزامن مع تطبيق عديد من الإجراءات والقرارات المرتبطة بضريبة القيمة المضافة وغيرها من السياسات، يتوقع أن تستمر معها الضغوط على منشآت القطاع الخاص، وارتباط تأثيراتها بدرجة كبيرة في تطورات التوظيف في تلك المنشآت، ما يقتضي بدوره العمل منذ تاريخه على تطوير أدوات وبرامج التوطين في القطاع الخاص، وضرورة أن تتمتع برؤية استباقية لتلك التطورات المحتمل حدوثها إلى حد بعيد، تتيح لها ابتكار أدوات أكثر فعالية وتركيزا، تستهدف بصورة مباشرة الأسباب الحقيقية خلف ضعف توطين الوظائف، وهي الأسباب التي طالما تم الحديث عنها كثيرا خلال فترات سابقة، في مقدمة تلك الأسباب ما سبقت الإشارة إليه كثيرا المتمثلة في الارتفاع الكبير لسيطرة العمالة الوافدة على الوظائف العليا "الوظائف القيادية والتنفيذية"، وهو ما زالت تؤكده البيانات الأخيرة أعلاه الصادرة عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، فعلى الرغم من الانخفاض السنوي لأعداد العمالة الوافدة بنسبة 0.6 في المائة، وانخفاضها خلال الفترة نفسها للوظائف الأدنى من حيث الأجور الشهرية بنسبة 0.7 في المائة، إلا أنها سجلت ارتفاعا سنويا وصلت نسبته إلى 2.4 في المائة للوظائف الأعلى أجورا شهرية.
ولطالما تكرر الحديث كثيرا عن هذا الجانب طوال الأعوام الأخيرة، والضرورة القصوى لأن تتبنى وزارة الموارد البشرية برنامجا أكثر فعالية وتركيزا، يتولى بصورة مباشرة إدارة جانب توطين الوظائف القيادية والتنفيذية في القطاع الخاص، إلا أنه لم ير النور بعد على الرغم مما أثبتته ولا تزال تثبته التطورات الجارية على أرض الواقع لسوق الوظائف في القطاع، وقد نصطدم بكثير من المفاجآت العكسية خلال الربع الجاري الذي لم يبق على نهايته إلا أسبوعان، ما سيضاعف في المستقبل القريب من حجم التحديات لسوق الوظائف في القطاع الخاص، واحتمال تزايد حجم تلك التحديات بالتزامن مع بدء تطبيق رفع ضريبة القيمة المضافة، إضافة إلى آثار بقية التداعيات الناتجة عن انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19.
لماذا ينصب الاهتمام بصورة أكبر على هذا المستوى من الوظائف العليا؟ لأنها المستوى الذي توجد فيه صناعة أغلب قرارات القطاع الخاص، وتدير توجهات منشآته بكل أحجامها، عدا ما تتمتع به من مزايا مادية عالية وقفت خلف قوة تمسك شاغليها من العمالة الوافدة بها، ووقفت من خلال تلك السيطرة على تلك الوظائف العليا كأحد أكبر العوائق الكأداء أمام توطين وظائف القطاع الخاص، وعموما تفسر تلك السيطرة أجزاء كبيرة من أسباب تعثر أو تأخر أو حتى فشل أغلب برامج التوطين طوال العقد الزمني الماضي "2011 ــ 2020"، ولو أن هذا الجانب البالغ الأهمية وجد برنامجا صارما لمعالجته قبل عدة أعوام مضت، لوجدنا نتائج أخرى مغايرة إلى حد كبير للتوطين والبطالة وعديد من مؤشرات التوظيف في سوق الوظائف في القطاع الخاص.
ختاما، تؤكد التجربة الطويلة السابقة لتوطين وظائف القطاع الخاص، وما آلت إليه حتى تاريخه من ضعف طغى على أغلب نتائج برامج التوطين السابقة والمحدثة حتى المستحدث منها، أن عدم ابتكار وإقرار برنامج لتوطين الوظائف العليا في منشآت القطاع الخاص، سيؤدي إلى استمرار ذلك الضعف والقصور، بل قد يزداد وقعه العكسي في ظل الظروف الراهنة، التي يشهد تحدياتها الجسيمة اقتصادنا الوطني والاقتصاد العالمي بأكمله، فهل نرى من وزارة الموارد البشرية استجابة قريبة في هذا الشأن؟
إنشرها