Author

«الفيدرالي الأمريكي» والعودة إلى الفائدة الصفرية

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
الأسواق المالية اليوم تتعامل مع أثر الجائحة، حيث جاء في خبر نشر في موقع الأسواق العربية: "توقع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، عدم تغيير الفائدة في 2020 و2021، ما سيؤثر في توقعات الأسواق المالية التي تقتفي أثر تحركات أسعار الفائدة. وتوقع الاحتياطي الفيدرالي انكماش الاقتصاد الأمريكي 6.5 في المائة هذا العام، كما توقع انخفاض البطالة إلى 9.3 في المائة بنهاية 2020 وقال المجلس، إنه سيستمر في شراء السندات للإبقاء على فائدة الإقراض منخفضة ولدعم الاقتصاد".
وهذا الخبر يعود بنا للذاكرة إلى الأزمة المالية العالمية 2008 وما سبقها من أزمات نتج عنها أثر مالي، واتجه فيها كثير من الدول إلى الفائدة الصفرية، بل إن بعضها اتجه إلى الفائدة السلبية، وهذا التوجه يعد التوجه السائد عند حصول أزمات مالية بهدف تقليل فرص بقاء السيولة في المصارف أو شراء أدوات الدين والميل إلى ضخها بشكل أكبر في الأسواق من خلال استثمارها في الأنشطة الاقتصادية الأخرى، لإن التوازن في إدارة السيولة يتطلب إجراء من هذا النوع لتوجيه السيولة للقطاعات المستهدفة، لإن تخفيض تكلفة الإقراض يؤدي إلى معادلة قوامها تقليل استثمار الأفراد في السندات أو الأدوات المالية منخفضة المخاطر، وفي الجانب الآخر تشجيع المستثمرين على الاقتراض بتكلفة أقل، ما يؤدي إلى انخفاض تكلفة التمويل التي يظهر أثرها في نتائج الشركات، ما يمكن أن يعوض نسبيا خسائرها الكبيرة بسبب الركود الذي عم الأنشطة الاقتصادية على مستوى العالم. كما أنه يشجع الأفراد على الاستهلاك، لإن انخفاض التكلفة والتمويل أو الإقراض يشجع الأفراد على طلب التمويل بصورة أكبر إضافة إلى أن كثيرا من الأفراد أو المستهلكين في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول العالم تأثر كثيرا بسبب أزمة الوباء الحالية ولتعويض أثر ذلك سيميل البعض إلى الاقتراض خصوصا مع انخفاض تكلفة التمويل وتشجيع الاستهلاك في هذه المرحلة، ينظر إليه بأنه مهم لتحقيق تحسن أكبر في الأسواق وعلى مستوى إيجاد وظائف جديدة أو استعادة حال الانتعاش بصورة أسرع.
توقعات "الفيدرالي الأمريكي" بانكماش هائل يصل إلى أكثر من 6 في المائة ومعدل بطالة عال عطفا إلى الفترة السابقة مؤشر على عمق الأزمة، واستعادة الأسواق لانتعاشها يحتاج إلى فترة أطول.
قرار "الاحتياطي الفيدرالي" بالاستمرار على الفائدة السلبية له أثر في الأسواق، ولذلك من الممكن أن نشاهد اليوم قفزات سعرية في الأسواق المالية نظرا لبداية تحسن الظروف الاقتصادية نسبيا إضافة إلى أن الاستثمار في السندات اليوم لم يعد مجديا، ولذا ستتدفق هذه الأموال على الأسواق المالية وستميل بصورة أكبر إلى الاستثمار في الشركات التي تحافظ على توزيعات شبه ثابتة باعتبار أنها البديل المناسب للسندات ولعل أفضل مثال لدينا في السوق المالية السعودية شركة أرامكو، التي أعلنت أنها ستلتزم بتوزيع حد أدنى من العوائد سنويا، ما يجعلها -إضافة إلى قوة ومتانة الشركة- تحقق لمن يمتلك فيها أسهما عائدا أفضل بكثير من العوائد التي يمكن أن يحققها من السندات مع تحسن متوقع في أسعار النفط مستقبلا، ما يجعل فرص تحقيق ربح في قيمة السهم إضافة الى العائد السنوي الثابت الموزع على المستثمرين.
انخفاض تكلفة التمويل ستفيد كثيرا في مجموعة من البرامج فمن ذلك على سبيل المثال دعم المشاريع خصوصا المتوسطة والصغيرة باعتبار أن تكلفة التمويل ووفرته ستعززان قدرة هذه القطاعات على التعافي بصورة أكبر، كما أن تمويل المستهلكين سيزيد فرص تحسن هذه المشاريع، ومن المستفيد من ذلك، الأفراد في الحصول على تمويل بأقل تكلفة خصوصا تمويلا مثل تمويل شراء المساكن إذ إن انخفاض تكلفة التمويل سيخفض بشكل كبير التكلفة التي يتكبدها الأفراد بسبب ارتفاع تكلفة التمويل سابقا وستخفض القيمة الإجمالية للعقار بعد التمويل ما قد يساعد على حصول الأفراد على تمويل أكبر.
الخلاصة، إن تثبيت سعر الفائدة عند الصفر، وتوقعات "الفيدرالي الأمريكي" سيكون لها أثر في توجه السيولة لمدة طويلة نسبيا، لإن الاستثمارات منخفضة المخاطر ستكون غير مغرية لكثير من المستثمرين بسبب ضعف العائد، كما أن أقبال الأفراد والشركات على طلب التمويل يمكن أن ينعش الأسواق، وبالتالي يمكن أن يكون توجه السيولة في هذه المرحلة إلى الأسواق المالية، وقد تكون الشركات التي توزع عائدا ثابتا نسبيا أكثر الشركات جذبا لهذه السيولة.
إنشرها