Author

إعادة الاعتبار لتايوان .. أحد خيارات واشنطن

|
تزايدت في الفترة الأخيرة وتيرة اتهام بكين بالخداع والتستر والمراوغة والإهمال حيال تفشي وباء كورونا المستحدث، ولا سيما من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، ومعها تصاعدت التهديدات الأمريكية حول ضرورة معاقبة الصين.
وإذا كان الرئيس دونالد ترامب، قد هدد علانية بقطع علاقات بلاده مع بكين، فإن السيناتور ليندسي جراهام، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا الجنوبية ورئيس اللجنة القضائية في المجلس، طالب بتجميد الأصول الصينية في بلاده، وتعليق الأعمال التجارية مع بكين، ومنع الأخيرة من التعامل مع المؤسسات المالية الأمريكية، وإيقاف منح التأشيرات للطلبة الصينيين لدخول الولايات المتحدة بغرض الالتحاق بجامعاتها، ما لم تغير الصين سلوكها وتتعاون مع التحقيقات الجارية حول كيفية ظهور الفيروس وانتشاره في العالم انطلاقا من إقليم ووهان الصيني.
وراح جراهام أبعد من ذلك حينما أيد اقتراحا من زميلته السيناتور مارشا بلاكبيرن، بإجبار الصين على إسقاط ديون الولايات المتحدة تعويضا لها عن خسائرها الكبيرة المتمثلة في وفاة نحو 56 ألف أمريكي والتسبب في بطالة نحو 26 مليون عامل وموظف، فضلا عن إلحاق خسائر اقتصادية في معظم القطاعات الأمريكية بعشرات المليارات من الدولار.
وجملة القول إنه بات هناك منحى أمريكي متزايد لمعاقبة الصين ومنع نجاتها مما تسببت فيه، عن قصد أو دون قصد، من مآس وخسائر للعالم أجمع، كي لا نقول وجود حملة يحتمل أن ينضم إليها كل دول العالم المتضررة من الوباء الصيني، وهي كثيرة وبعضها مؤثر في موازين القوى.
قد تشتمل العقوبات الأمريكية على كل أو بعض ما اقترحه السيناتور جراهام، والسيناتور بلاكبيرن، وقد تتضمن أيضا عمليات لمحاصرة تمدد النفوذ الصيني عالميا على الصعيدين التجاري والجيوسياسي، وقرارات بتوسعة وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في عموم آسيا، وتحديدا في الأقطار الحليفة القريبة من الصين، ومطالبة الشركات الصناعية الأمريكية بوقف استثماراتها في الصين ونقل أعمالها إلى دول أخرى مثل الهند أو إندونيسيا اللتين تتوافر فيهما الأيدي العاملة الرخيصة، فضلا عن الضغط على تل أبيب لتجميد تعاونها التكنولوجي والعسكري مع بكين.
على أن أكبر عقوبة ستوجع النظام الصيني وتجعله يراجع نفسه ويرضخ للمطلوب منه - من وجهة نظرنا - هو إقدام الولايات المتحدة على إعادة الاعتبار إلى حليفتها تايوان، وفتح كل خطوط الاتصال والتعاون السياسي والاقتصادي والعسكري والتكنولوجي معها، بل المساعدة على إعادتها إلى الساحة الدولية، خصوصا أن المجتمع الدولي عرف تايوان جيدا على مدى 22 عاما "قبل أن تخسر مقعدها الدائم في مجلس الأمن لمصلحة الصين الشيوعية عام 1971" كدولة مسالمة ومتقيدة بمبادئ القانون الدولي ومنصرفة إلى بناء ذاتها وتطوير ما يخدم البشرية ومرتبطة مع كل دول العالم بعلاقات تعاون، دون أدنى تدخل في شؤونها الداخلية، أي على العكس من الصين الشيوعية التي ظلت على مدى أعوام طويلة مصدرا لتحريض الشعوب على أنظمتها ونشر الأفكار الراديكالية في أوساطها، وتقديم الدعم العسكري للمنظمات الثورية المتطرفة على نحو ما فعلته مع بعض المنظمات الفلسطينية والمتمردين في إقليم ظفار العُماني زمن المعلم ماو تسي تونج.
ولعل من أكثر البلاد التي ارتبطت مع تايوان بعلاقات ود وتعاون متنوع الأوجه في حقبتي الخمسينيات والستينيات، الممالك العربية. فقد كان العاهل الأردني الراحل الملك حسين، هو أول زعيم عربي يزور تايبيه عام 1959 ويلتقي الماريشال تشيانج كاي شيك، زعيم تايوان ومؤسسها، وكانت هناك اتصالات بين تايوان والمملكة العراقية زمن الملك فيصل الثاني، بدليل العثور على بعض الفضيات المرسلة من الماريشال كاي شيك، هدية إلى العاهل العراقي الشاب بعد اقتحام قصر الرحاب الملكي في تموز (يوليو) 1958.
أما المملكة العربية السعودية، فتعود علاقاتها مع تايوان إلى زمن سيطرة الأخيرة على كامل التراب الصيني، والإشارة هنا إلى وقت مشاركتهما في مؤتمر سان فرانسيسكو لتأسيس الأمم المتحدة عام 1946. ففي ذلك العام تم التوقيع بين البلدين على اتفاقية للصداقة والتعاون كان من ثمارها افتتاح تايوان سفارة لها في جدة عام 1956، وتبادل مذكرة للتعاون الزراعي عام 1964: كان من تجلياتها مساهمة تايوان في مشروع لزراعة الأرز في الأحساء". وتتويجا لهذه العلاقات قام الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز، بزيارة رسمية لتايبيه عام 1971، أدى خلالها صلاة الجمعة في مسجد تايبيه الكبير "اكتمل بناؤه عام 1960 بتبرعات من شاه إيران والملك حسين بن طلال والحكومة التايوانية، ثم قامت السعودية بتقديم الدعم المالي لإدارته وصيانته". وشهدت الفترة ما بين عامي 1956 و1984 توقيع 47 اتفاقية بينية شملت مجالات التجارة والصحة والزراعة والعلوم والتقنية والتعليم والصناعة والكهرباء وغيرها، علاوة على التعاون العسكري والأمني. كما شهد عام 1976 تقديم الصندوق السعودي للتنمية قرضا لتايبيه من أجل بناء جسر بطول 2.3 كلم على الطريق الرابط بين جنوب تايوان وشمالها، وهو المشروع الذي اكتمل عام 1978 وصار شاهدا على عمق روابط البلدين التي لم تنقطع حتى بعد اعتراف الرياض ببكين سنة 1990، بدليل وصول حجم التبادل التجاري بينهما إلى 15.7 مليار دولار عام 2014.
وبالمثل ارتبطت الكويت منذ استقلالها عام 1961 بروابط ودية مع تايوان، لكنها كانت أولى دول الخليج التي تسحب اعترافها السياسي بها وتمنحها للصين الشيوعية عام 1971. لكن رغم ذلك استمرت العلاقات التجارية قائمة ومتنامية بين البلدين. وينطبق ما قلناه بشأن السعودية والكويت على بقية دول الخليج العربية.
إنشرها