Author

تفكيك العولمة ضار بالنمو عالميا «2 من 2»

|
من المؤكد أن نموذج العولمة الحالي يحتاج إلى تعديل، ولا سيما من خلال تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي بشكل كبير في الاقتصادات المتقدمة، وإلى أقصى حد ممكن في الاقتصادات الناشئة أيضا. لكن بناء القدرة على الصمود لا يعني تمزيق النظام بالكامل والبدء من جديد.
الواقع إن خسائر الولايات المتحدة من تراجع العولمة ستكون أكبر مما يدرك بعض الساسة على اليمين واليسار. فبادئ ذي بدء، يشكل نظام التجارة العالمية جزءا من ميثاق يقضي بأن تكون الولايات المتحدة الطرف المهيمن في عالم حيث أغلب الدول، بما في ذلك الصين، لديها مصلحة في إنجاح عمل النظام الدولي. بصرف النظر عن تداعياته السياسية، يفرض التراجع عن العولمة أيضا مخاطر اقتصادية على أمريكا. خصوصا، يرتبط عديد من العوامل الحميدة التي تسمح لحكومة الولايات المتحدة والشركات الأمريكية باقتراض مبالغ أضخم كثيرا من أي دولة أخرى، في الأرجح، بالدور الذي يلعبه الدولار في قلب النظام. وتظهر مجموعة واسعة من النماذج الاقتصادية أن العولمة المالية تتضاءل بأقل قدر من التناسب مع تزايد التعريفات والاحتكاكات التجارية. وهذا لا يعني فقط انخفاضا حادا في أرباح الشركات متعددة الجنسيات وثروة أسواق الأوراق المالية (وهو ما قد يناسب بعض الأطراف)، بل قد يعني أيضا انخفاضا كبيرا في الطلب الأجنبي على ديون الولايات المتحدة. لن يكون هذا مثاليا في وقت حيث تحتاج الولايات المتحدة إلى اقتراض مبالغ ضخمة حتى يتسنى لها الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي. وتماما كما كانت العولمة محركا رئيسا لانخفاض معدلات التضخم وأسعار الفائدة اليوم، فإن تحويل العملية في الاتجاه المعاكس يؤدي في نهاية المطاف إلى دفع الأسعار والفائدة في الاتجاه الآخر، خاصة في ضوء ما يبدو كأنه صدمة سلبية دائمة على جانب العرض نتيجة لجائحة كوفيد - 19.
غني عن القول إن هناك معارك أخرى مقبلة تتطلب التعاون الدولي، خاصة معركة تغير المناخ. سيكون من الصعب بدرجة أكبر تحفيز الاقتصادات النامية لحملها على كبح جماح انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إذا تسبب انهيار التجارة العالمية في إضعاف الحافز المشترك الأقوى الوحيد المتمثل في ضرورة حفاظ الدول على السلام والرخاء العالميين.
أخيرا، وليس آخرا، على الرغم من أن جائحة كوفيد - 19 ضربت حتى الآن أوروبا والولايات المتحدة بشكل أقوى مما فعلت في أغلب الدول منخفضة الدخل، فلا يزال أمامنا خطر كبير يتمثل في حدوث مأساة إنسانية في إفريقيا وغيرها من المناطق الأكثر فقرا. فهل الآن هو الوقت المناسب حقا لتقويض قدرة هذه الدول على الدفاع عن ذاتها؟
حتى لو غضت الولايات المتحدة الطرف عن التأثيرات المترتبة على تراجع العولمة على بقية العالم، فينبغي لها أن تتذكر أن الطلب الحالي الوفير على الأصول الدولارية يعتمد إلى حد كبير على النظام التجاري المالي الواسع الذي يسعى بعض الساسة الأمريكيين إلى تقليصه. إذا جاء التراجع عن العولمة مفرطا فلن يسلم أي بلد من الأذى.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2020.
إنشرها