Author

التمويل الإسلامي لمواجهة أزمة كوفيد - 19

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
في الأزمة المالية العالمية أو أزمة الرهن العقاري التي حدثت 2008 وكان لها أثر كبير في القطاع المالي في العالم، أزمة بدأت من الولايات المتحدة الأمريكية، لكن أثرها وصل إلى جميع دول العالم من شرقه إلى غربه ولعل أوروبا نسبيا كانت من أكثر المناطق المتضررة من تلك الأزمة حتى إن البطالة في بعض دول أوروبا وصلت إلى نسب عالية وما إن بدأ الاقتصاد يتجاوز تلك الأزمة بعد أكثر من عشرة أعوام حتى تفاجأ العالم بأزمة وباء بدأ في الصين، ثم ما لبث أن انتشر حتى أحكم قبضته على جميع دول العالم في مشهد يشبه نسبيا ما حصل في العالم خلال أكبر وباء اجتاح العالم وهو الأنفلونزا الإسبانية 1918 وكان سببا في وفاة الملايين في العالم حينها، ونحن اليوم في ظل استمرار انتشار هذا الوباء وعدم قدرة دول العالم على استمرار الإغلاق، لأن ذلك تسبب في أزمات إضافية تتعلق بالاقتصاد والنشاط التجاري الذي أصبح اليوم يواجه أزمة غير مسبوقة، إذ إن الوباء لا يقف عند إحداث أزمة صحية فقط، بل يتحدث الجميع اليوم عن أزمة اقتصادية تجاوزت التوقعات حيث بدأت البطالة تكتسح دول العالم إضافة إلى أزمات وإفلاس كثير من الشركات خصوصا الطيران والشركات السياحية إضافة إلى قطاع التجزئة والنقل وخدمات تقديم الطعام. هي أزمة كان لها تأثير في مختلف القطاعات.
في الأزمة المالية العالمية برز دور التمويل الإسلامي في تقديم نماذج مختلفة عما تقدمه المصارف في العالم مثل الصكوك الإسلامية إضافة إلى التنوع في صور التمويل التي تعتمد على السلع غالبا كوسيلة للتمويل إضافة إلى التنوع في طرق التمويل، كما أن النمو الجيد للتمويل الإسلامي أوجد نوعا من البدائل التي يمكن أن تدعم تعافي الاقتصادي العالمي حتى إن مجموعة من الدول الغربية بدأت فعليا أكثر انفتاحا على التمويل الإسلامي، ما زاد فرص نموه والاهتمام بالتشريعات الخاصة به ليتمكن من العمل في بيئات اقتصادية تتعارض في تشريعاتها مع التمويل الإسلامي.
ونحن نشهد اليوم أزمة هي أضخم من أي أزمة شهدها العالم خلال العقود الماضية، فهل يمكن للتمويل الإسلامي أن يسهم في التعافي من هذه الأزمة ويكون أحد الخيارات لمعالجة حالة الركود التي يشهدها العالم اليوم؟
عند النظر إلى التمويل، نجد أنه يتسم بالتميز في طرق التمويل فليس بالضرورة من خلال السيولة أو النقد، كما أن التمويل الإسلامي يمكن أن يقدم التمويل من خلال الأصول المملوكة دون الحاجة إلى السيولة، إذ إن أحد أهم التحديات التي يمكن أن تواجه اقتصادات الدول حاليا هو السيولة، لإن بعض الدول حاليا بدأت بضخ سيولة هائلة في الأسواق بهدف تحفيز الاقتصاد وأصبح جميع الدول تقريبا حتى الاقتصادات الكبرى منها تبحث عن السيولة لتعويض الأسواق عن الخسائر التي أحدثتها الأزمة، ومن هنا بدأت الدول في إصدار مزيد من السندات، كما أن البنوك المركزية أصبحت تميل إلى الفائدة القريبة من الصفر بل إن بعضها يميل إلى الفائدة السلبية ما يعني أن هناك تشجيعا لعدم إبقاء السيولة مطلقا في المصارف بل لمزيد من الاستثمار في الأسواق.
التمويل من خلال السلع أو من خلال عقود المشاركة يمكن أن يقلل الحاجة إلى السيولة بشكل أكبر إضافة إلى أنه يخفف من حدة المخاطرة على الأنشطة التجارية ما يحفز الأنشطة التجارية إلى العمل وتوظيف مزيد من القوى العاملة في السوق كما أن أدوات مالية متوافقة مع الشريعة مثل الصكوك الإسلامية يمكن أن تقدم سيولة إضافية للأسواق خصوصا أن الصكوك يمكن أن تجذب شريحة لا تتعامل مع السندات التي تصدرها المصارف غالبا ومن هنا يمكن أن تدخل سيولة جديدة للأسواق وهذه ما تحتاج إليه الأسواق اليوم للاستفادة من أي مصدر للسيولة يمكن أن يزيد من النشاط التجاري في الأسواق ويمكن الحكومات من دعم برامجها التنموية.
الخلاصة: إن التمويل الإسلامي اليوم يمكن أن يكون له دور في الإسهام في معالجة الأزمة الحالية من خلال توفير أدوات متنوعة لضخ مزيد من السيولة في الأسواق والأنشطة التجارية أو من خلال توفير بدائل للسيولة بغرض دعم الأنشطة التجارية التي توفر بدورها فرصا أكبر للقوى العاملة للحصول على فرص وظيفية.
إنشرها