Author

الصناعة قاطرة الاقتصاد .. عوائد مستدامة

|

يظل القطاع الصناعي على درجة كبيرة من الأهمية، كونه رافدا من الروافد الاقتصادية، فهو يلعب دورا رئيسا وفاعلا في عملية التوازن الاقتصادي لمعظم الدول. وتعد التنمية الصناعية من أهم ركائز التنمية الاقتصادية الشاملة، باعتبار أن الصناعة قاطرتها، حيث إن القطاع الصناعي يضمن زيادة القيمة المضافة ويساعد على تأمين الاكتفاء الذاتي من الغذاء والكساء وتحسين الموازين الاقتصادية، سواء كانت تجارية أو مدفوعات، أو تشغيل الأيدي العاملة وتقليل معدل البطالة الحالي وتأمين فرص عمل للأجيال القادمة.
وكغيرها من القطاعات المتضررة جراء الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء كورونا المستجد، يتعرض قطاع الصناعة لضغوط متصاعدة، وهذا أمر طبيعي، خصوصا إذا ما عرفنا أن أغلبية المصانع حول العالم توقفت بصورة جزئية أو حتى كلية، ولا تزال مغلقة في بعض الدول ضمن إطار الحجر الصحي، الذي اتخذته الحكومات بأشكال مختلفة.
وبالطبع، بدأت قيود هذا الحجر تشهد تخفيفا متفاوتا بين الدول، لكن الأمر يحتاج إلى وقت ليس قصيرا من أجل الحديث عن تعافي القطاع الصناعي. فهذا القطاع تضرر من الوباء، لكنه تعرض أيضا لأضرار جراء الحرب التجارية الطويلة بين الولايات المتحدة والصين، حتى بين واشنطن وعواصم أوروبية حليفة لها، سياسيا واقتصاديا. بمعنى آخر، أن القطاع الصناعي يتعرض لمزيد من الضغوط من جهات متعددة.
إن القطاع الصناعي في الدول الكبرى، يمثل المحور الأهم في النمو الاقتصادي. وفي دولة مثل الصين اعتمدت على هذا القطاع، ليس فقط في ضمان نمو متماسك ومتصاعد على مدى أعوام عديدة، بل في بناء قاعدة اقتصادية متينة في البلاد. فحتى المصانع الأجنبية الكبرى، وجدت في السابق في هذه الدولة ملاذا جيدا للإنتاج والنمو والتصدير، بأقل التكاليف الإنتاجية الممكنة. وعلى هذا الأساس، كان هذا القطاع الأكثر والأسرع تأثرا "بعد قطاع السياحة والسفر"، بجائحة كورونا.
وهنا نستشهد فعليا ورقميا بما حقق قطاع الصناعة في الصين من دعم لاقتصاد البلاد، خاصة خلال أزمة كورونا، حيث تجاوز سلبيات الجائحة بالناتج الصناعي الذي نما خلال نيسان (أبريل) الماضي أفضل من المتوقع، وحقق نموا بنحو 3.9 في المائة مقابل تراجع مخيف خلال يناير وفبراير عندما تراجع بنحو 13.5 في المائة بسبب الإغلاق. فالمشكلة ليست فقط في اضطرار المصانع للتوقف عن العمل، بل في تعطل الحراك التجاري على المستوى العالمي بمستويات مختلفة. فعندما يتوقف التصدير، تتكدس المنتجات بصرف النظر عن طبيعتها.
وعلى صعيد الدول الصناعية الكبرى، وغيرها من الدول الأخرى، الأمر ليس أفضل من التجربة الصينية. فالمصانع التي كانت توفر النمو الاقتصادي المطلوب، تطلب الآن حزم إنقاذ حكومية لتجنب إعلان إفلاسها. وتدخلت الحكومات بالفعل، من أجل الإبقاء على الشركات الصناعية بكل أحجامها، ولم تتوقف هذه الحزم حتى الآن، على الرغم من التكاليف الكبيرة لها بالنسبة إلى الموازنات العامة في هذه الدولة أو تلك. فالدول تريد أن تحافظ على القطاع الصناعي بأي وسيلة كانت، وبأي استراتيجية، خصوصا في ظل دخول الاقتصاد العالمي حالة من الركود، وصفت بأنها الأعمق منذ الكساد الكبير في عام 1929. والجميع أيضا يخشى أن تتحول هذه الحالة إلى مرحلة كساد لا أحد يمكنه أن يتنبأ بآثارها، خصوصا في ظل محاولة العالم حتى اليوم إيقاف هذه الجائحة العالمية الخطرة.
من هنا، فإن القطاع الصناعي يمثل بالنسبة إلى جميع الدول الكبرى والصغرى، رمزا مرتبطا بالنمو الاقتصادي كله، كما أنه يعد عنصرا مستداما لكل الاقتصادات، وبالتالي لا بد من الحفاظ عليه وحمايته من أي أزمات، سواء تلك التي تظهر لفترة قصيرة، أو التي قد تبقى فترة طويلة على الساحة الدولية. وإنقاذ القطاع، يعني - ببساطة - تأمين الدعم اللازم للاقتصادات على المدى البعيد، لأسباب عديدة، في مقدمتها العوائد القوية لهذا القطاع، واستيعابه أعدادا كبيرة من العاملين في مجالاته المختلفة. لكن لا بد من الإشارة إلى أنه مرتبط أيضا بالحراك التجاري، الذي يشهد اضطرابا كبيرا إثر الحرب التجارية، والآثار السلبية لتداعيات أزمة كورونا المستجد.
إن القطاع الصناعي، يحتاج إلى الخدمات اللوجستية التي ترتكز أساسا على علاقات تجارية طبيعية بين الدول، ولا سيما تلك التي تتمتع بأسواق كبيرة ومفتوحة. ومن هذه الزاوية سيكون القطاع داعما ومنعشا لاقتصاد أي دولة في العالم.

إنشرها