Author

صندوق المستقبل .. صفقات واستحواذات

|

ليست هنالك غرابة في أن يحقق صندوق الاستثمارات العامة السعودي هذه القفزات النوعية من الإنجازات والتقدم خلال منتصف العقد الجاري، ليس فقط على صعيد تجاوزه 22 مركزا منذ 2015، بل بلوغه المركز التاسع عالميا، وذلك بفضل الاستراتيجية الاستثمارية التي ينتهجها، وهي تستند إلى أسس أكثر تطورا، والأهم الأقل خطرا، حتى في ظل تلاطم الأوضاع الاقتصادية على الساحة الدولية.
وهذا التوجه ينبع من قوة ومتانة مؤشرات الاقتصاد السعودي والخطط التي ينتهجها والنمو الثابت والمستمر الذي يحققه من فترة لأخرى. والأهم من ذلك والملاحظ أيضا أن معهد صناديق الثروة السيادية حول العالم استند إلى كثير من المعايير للوصول إلى النتيجة النهائية التي أعلنها أخيرا. بفضل السجل المتطور الذي يحتفظ ويتميز به صندوق الاستثمارات العامة السعودي فإنه في أقل من خمسة أعوام، راكم الصندوق السعودي أموالا بلغت 360 مليار دولار، بعد أن كانت بنهاية 2015 في حدود 152 مليار دولار. وهذه الزيادة لم تحدث في مختلف الصناديق السيادية العالمية الأخرى، ما يعزز توجه الإدارة المشرفة عليه، التي تستند بدورها إلى مجموعة من المخططات الاستراتيجية مدعومة بالطبع من خطط وبرامج رؤية المملكة 2030.
وصارت اليوم قيمة صندوق الاستثمارات العامة في المملكة في حدود 4.4 في المائة من الثروات السيادية الأخرى في العالم البالغة 8.23 تريليون دولار. وباختصار فإن الأرقام تعكس وتتحدث عما أنجزه حيث قفزت قيمة الصندوق في خمسة أعوام 137 في المائة. وهذا الوضع يدعم نجاعة الاستراتيجية المتبعة في تنمية الصندوق، والتنوع في استثماراته المضمونة التي شملت القطاعات الاستثمارية والاقتصادية كافة التي تحقق النتائج المطلوبة من خلال استخدام مفاهيم اقتصادية حديثة تتماشى مع تطلب الحركة الاقتصادية في العالم.
إن الهدف الذي وضعته القيادة يتمثل في رفع قيمته حتى نهاية العام الجاري إلى 400 مليار دولار، وهذا يعني أنه يقترب من الهدف المنشود. في حين تعرضت صناديق سيادية أخرى في العالم إلى تراجع ملحوظ وبعضها تراجع كبير منذ منتصف العقد الحالي حتى الآن، في حين أن بعض الصناديق ظل عند حدوده من حيث القيمة لفترات طويلة دون تغير يذكر، بما فيها تلك الموجودة ضمن قائمة أكبر الصناديق السيادية عالميا.
بالطبع ما كان لصندوق الاستثمارات العامة السعودي أن يحقق هذه القفزات، لولا عاملين أساسيين، الأول إعادة هيكلة الصندوق، ليتماشى مع الاستراتيجية الاقتصادية العامة للسعودية المستندة (كما هو معروف) إلى رؤية المملكة 2030، والعامل الآخر، تسلم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئاسة مجلس إدارته في 2016. هذان العاملان زادا من مستوى الثقة بهذا الصندوق المستمدة من الثقة التي تتمتع بها البلاد على الساحة الدولية، بما في ذلك احتفاظها بتصنيفها السيادي حتى في ظل التراجع الكبير لأسعار النفط في السوق العالمية، سواء في أعقاب انفجار أزمة وباء كورونا المستجد، أو في 2014 عندما وصلت الأسعار إلى مستويات تاريخية متدنية. هذه الوضعية ضمنت متانة قوية تفتقدها صناديق عالمية شهيرة وتاريخية أيضا.
وعلينا هنا أن نشير إلى أن من أهم الأسباب التي أوصلت الصندوق السيادي السعودي إلى هذا المستوى المرتفع، تحويل 40 مليار دولار للصندوق من الاحتياطيات الأجنبية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، وإن كانت بصورة استثنائية. لكن الأهم من هذا، أن استراتيجية الاستثمارات كانت مرتفعة القيمة وذات جدوى عالية للغاية.
ففي الآونة الأخيرة، اقتنص الصندوق فرصا استثمارية مهمة، بما في ذلك رفع مستوى استثماراته في الأسواق الأمريكية 350 في المائة الأسواق التي تزدهر حركتها الاستثمارية بوتيرة قوية، وذلك بالتزامن مع هبوط أسعار الشركات العملاقة بسبب الجائحة العالمية الخطيرة. يضاف إلى ذلك استثمارات في مجالات مختلفة، رفعت من قيمة رأس المال لهذا الصندوق، ودعمت موقعه بين الصناديق الكبرى الأخرى، ليصبح أخيرا تاسعا.
يبدو واضحا، أن الأمور تمضي قدما وفق ما خطط لها من جانب القيادة، التي تقوم في الوقت نفسه ببناء اقتصاد وطني جديد، يلبي كل الاحتياجات اللازمة للبلاد على مختلف الأصعدة.
كما أن استشراف المستقبل لصندوق الاستثمارات العامة يبنى على توجه ونهج سليم من خلال تنويع مجالات الاستحواذات والصفقات على الأنشطة كافة منها الخارجية وكذلك الدخول في تحالفات دولية استثمارية ضخمة العائدات. وهذا ما سجله الصندوق في الآونة الأخيرة مستفيدا من الظروف الحالية التي يمر بها اقتصاد العالم وشركاته ومؤسساته المختلفة.

إنشرها