الأسهم الآسيوية أمام اختبار أداء .. اصطفاف مع الدولار الأمريكي أم انحياز للاستثمار الصيني

الأسهم الآسيوية أمام اختبار أداء .. اصطفاف مع الدولار الأمريكي أم انحياز للاستثمار الصيني
الجائحة خلقت في مارس حالة مربكة في الأسواق الآسيوية، أدت إلى فقدان الثقة.

رغم تراجع عدد من البورصات العالمية أمس، بسبب تصاعد التوتر الأمريكي - الصيني، إلا أن الأسهم الآسيوية ما إن تلقت أخبارا إيجابية عن إمكانية التوصل قريبا إلى لقاح لفيروس كورونا شهدت تعافيا خلال الفترة الماضية، مدعوما بتوقعات جيروم باول محافظ الاحتياط الفيدرالي الأمريكي بأن النصف الثاني من هذا العام قد يشهد تحسنا في أداء الاقتصاد الأمريكي.
وكان بعض التقارير قد أفاد بأن شركة الأدوية الأمريكية موديرنا توصلت إلى نتائج إيجابية بشأن اللقاح الموعود لمكافحة فيروس كورونا، ما أسهم في ارتفاع قيمة أسهم الشركة في تعاملات نيويورك بنحو 20 في المائة في تعاملات يوم الإثنين الماضي، كما ارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة 3.2 في المائة، في أفضل أداء له منذ أوائل شهر نيسان (أبريل) الماضي، وكانت المكاسب كفيلة بمحو جميع خسائر الأسبوع السابق.
من جهته، قال لـ"الاقتصادية"، هانكوك ريتشارد المحلل المالي في بورصة لندن، "إذا حللنا مسار الأسهم الآسيوية فسنجد أنها جميعا ومنذ بداية العام متراجعة، لكنها في الوقت الحالي في وضع أفضل مما كانت عليه في منتصف شهر آذار (مارس)، وتقديرات أرباح العام الجاري إذا استثنينا اليابان قد عدلت بانخفاض بنسبة 16 في المائة، لكن مع الأنباء الجديدة يتوقع أن تنمو بنسبة 4 في المائة".
لكن عددا من الخبراء يرى أن تلك التقلبات بين الانخفاض والارتفاع في الأسهم الآسيوية، تعكس وضعا مرتبكا وقلقا لدى المستثمرين في تلك الأسهم، حيث إن التحسن الأخير ربما يكون تحسنا مؤقتا ولن يدوم طويلا.
جائحة كورونا أوجدت في شهر آذار (مارس) الماضي حالة مربكة في الأسواق الآسيوية، أدت إلى فقدان الثقة، وتواكب ذلك مع البحث عن ملاذات آمنة، كان من بينها زيادة الطلب على الدولار سواء من قبل البنوك أو المستثمرين، هذا الوضع أسهم في ارتفاع قيمة الدولار في عديد من الاقتصادات الآسيوية الناشئة مثل إندونيسيا وسنغافورة والفلبين وتايلاند، وعزز ارتفاع قيمة الدولار من تدفق الأموال إلى تلك الاقتصادات.
تلك التدفقات المالية من المشكوك - من وجهة نظر الخبراء - أن تواصل الاستمرار.
يقول لـ"الاقتصادية" الدكتور مات ليستر أستاذ الاقتصادات الناشئة في جامعة أكسفورد، "الركود العالمي ستكون له تأثيرات سلبية في ربحية جميع الشركات على المستوى الدولي، لكن السياسة التجارية العدوانية التي تمارسها الاقتصادات الكبرى، تحديدا الولايات المتحدة ستعني أنه بمجرد تراجع قيود الإغلاق، واستئناف النشاط الاقتصادي ولو بدرجة محدودة، ستتبع الدول المتقدمة سياسة اقتصادية ذات طابع هجومي، لجذب رؤوس الأموال إليها مرة أخرى لتعويض الخسائر الضخمة التي تعرضت لها خلال فترة الإغلاق إضافة إلى التعويضات المالية والمساعدات النقدية لعديد من فئات المجتمع التي تعرضت للبطالة، وهذا غالبا سيترجم في هجرة معاكسة للتدفقات المالية من آسيا إلى الاقتصادات الأوروبية والولايات المتحدة، ومع انخفاض هامش أرباح الشركات الآسيوية من المتوقع أن تتراجع قيمة الأسهم في البورصات الآسيوية".
ويرى الدكتور مات ليستر أن التحسن الذي طرأ على الأسهم الآسيوية يوم الثلاثاء الماضي، جاء في أعقاب تحسن "وول ستريت" يوم الإثنين ما يكشف عن تبعية واضحة في الحركة العامة للأسواق الآسيوية وفقا لتطورات الأسواق الأمريكية.
وبالفعل ارتفعت قيمة الأسهم الإندونيسية بنحو 2 في المائة، وفي سنغافورة بنحو 1.9 في المائة والفلبين بـ1.5 في المائة، وتايلاند 1.8 في المائة.
لكن بعض الخبراء يعتقدون أن طبيعة الترابط بين أسواق الأسهم الأمريكية والآسيوية، تعكس قيادة الولايات المتحدة المستمرة للاقتصاد العالمي، وفي الوقت ذاته تكشف المرونة التي تتمتع بها الاقتصادات الآسيوية، وقد يعود الأداء الأفضل للاقتصاد الأمريكي مقارنة بنظيره الآسيوي إلى كمية الأموال التي يضخها الكونجرس والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الاقتصاد الأمريكي لمواجهة فيروس كورونا، والدور المميز الذي تلعبه أسهم التكنولوجيا في الاقتصاد الأمريكي، لكن الأداء الآسيوي خلال الأزمة اتسم بدرجة عالية من المرونة خاصة في دول شمال آسيا، التي تفوقت على دول الجنوب الآسيوي في احتواء الفيروس.
لكن ما يصفه البعض بالترابط القائم حاليا بين أسواق الأسهم الآسيوية والأمريكية، قد يكون في نظر البعض محل تساؤل في مرحلة ما بعد كورونا.
البروفيسور ماك دين نائب رئيس اللجنة المالية لبنك إنجلترا بين عامي 2007-2010، يشير إلى أن عديدا من الاقتصادات الآسيوية لن يفلح في الوقوف بعيدا أو محايدا في المعركة المقبلة بين الصين والولايات المتحدة، التي ستكون سوق الأسهم واحدة من جبهاتها الرئيسة.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "إن من الواضح للغاية أن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين تسير من سيئ إلى أسوأ، ولن يتردد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في طلب موقف صريح من كثير من قادة الاقتصادات الآسيوية مثل الفلبين وإندونيسيا وتايلاند بضرورة تحديد موقفهم بشكل واضح وصريح في تلك المواجهة، هذا سينعكس في كل الأحوال سواء كنت مع هذا الجانب أو ذاك على سوق الأسهم، فالارتباط بين أسهم الدول الآسيوية والاقتصاد الصيني لا يزال أضعف من العلاقة بأسواق المال الأمريكية، حيث إن الدولار الأمريكي لا يزال يلعب دورا رئيسا في الاقتصادات الآسيوية مقارنة باليوان الصيني، لكن في الوقت ذاته عديد من الشركات الآسيوية يجد في الأسواق الصينية سواء من خلال سلاسل الإمداد، أو عبر الاستثمارات الصينية الضخمة، يجد شريكا تجاريا قويا يمكن الاستناد إليه في أوقات الأزمات".
ويؤكد أن المشهد العام المقبل سيتسم بالالتباس، وستشهد الأسهم الآسيوية حالة عنيفة من التقلبات مع احتدام الصراع الصيني - الأمريكي.

الأكثر قراءة