Author

الطيران والسياحة والسيارات .. أسرع الضحايا

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"قمت ببيع كل ما أملك من أسهم في شركات الطيران"
وارن بافت، رجل الأعمال الأمريكي

كل القطاعات حول العالم تضررت من جراء تفشي وباء كورونا المستجد. الأمر ليس غريبا عندما تتوقف الاقتصادات كلها إما جزئيا أو كليا، على أمل العثور على لقاح لهذا الفيروس القاتل، أو على الأقل، بغية الوصول سريعا إلى مرحلة محاصرته. وتوقف الاقتصادات التي تحاول الحكومات إعادة تحريكها ولو بمستويات بسيطة، أجبر بالطبع كل الدول لضخ ما أمكنها من حزم الإنقاذ لكل القطاعات، لكن بمستويات متفاوتة، حسب حجم الأضرار التي أصابت هذا القطاع أو ذاك. وإذا ما استمر "فلتان" الوباء، فستتحول حزم الإنقاذ هذه إلى عمليات تأميم حتى في الدول التي تعتمد اقتصاد السوق. لكن في هذه الدول، لا يحبون تلك التسمية لأنها مرتبطة بصورة أو بأخرى بمعايير الدول الشمولية التي فشلت الواحدة تلو الأخرى في العقود الثلاثة الماضية.
تراجع الاقتصاد العالمي بات مؤكدا، وتتفق الجهات الدولية المختصة على أن هذا التراجع سيصل إلى 9 في المائة على الأقل. وتشير التقديرات أيضا، إلى أن الخسائر العالمية ستبلغ 8.8 تريليون دولار، فضلا عن أن أكثر من 242 مليون شخص سيفقدون وظائفهم، أي أعلى بسبع مرات من خسائر الوظائف التي خلفتها الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008. وقد يتجاوز دخل العمالة المفقودة 1.8 تريليون دولار. ففي الصين نفسها ترتفع البطالة 10 في المائة مع فقدان 22 مليون وظيفة، في حين سرحت بريطانيا ربع موظفيها مؤقتا. ويؤكد بنك التنمية الآسيوي أن قيود السفر ستؤدي حتما إلى خفض التجارة العالمية بما يصل إلى 2.6 تريليون دولار. وفي كثير من الدول أعلنت آلاف الشركات من كل الأحجام إفلاسها بالفعل، بينما بات واضحا، أن مهنا وخدمات بعينها ستختفي بفعل تبعات الوباء حتى بعد القضاء عليه.
القطاعات تضررت كلها بلا استثناء، لكن قطاعات السفر والسياحة وصناعة السيارات، كانت الأسرع تضررا. وهذا يبدو طبيعيا، لأنها مرتبطة كلها بالنقل الذي توقف تماما في أغلب الدول. فحتى مطار هيثرو اللندني الهائل من حيث الحركة، صار يعمل بنسبة 3 في المائة فقط، منذ أسابيع وهذه الحركة مخصصة في الواقع لإعادة البريطانيين العالقين في الخارج، وتسفير الأجانب الذين يرغبون في العودة إلى دولهم. أضرار قطاع الطيران والسفر والسياحة، ظهرت فورا عبر قرارات سريعة أيضا لشركاته بالتخلص من نسبة من عمالتها، ووقف طلبات الطائرات الجديدة، وهذه الخطوة ضربت بدورها شركات تصنيع الطائرات، وفي مقدمتها "إيرباص" الأوروبية، التي طلبت النجدة المالية من الحكومات المشاركة فيها. فهذه الشركة وحدها تشغل 140 ألف موظف، في حين يعمل في شركات الطيران الأوروبية 2.2 مليون شخص.
الأمر نفسه أصاب مؤسسات السياحة المرتبطة مباشرة بقطاع الطيران، وتحاول الحكومات بشتى الوسائل الإبقاء على هذه المؤسسات قدر الإمكان، إلى درجة أن ناشدت السياح الذين حجزوا رحلاتهم مسبقا ألا يطالبوا بأموالهم، والانتظار فترة إضافية أخرى، ربما تعود الأمور إلى ما كانت عليه. الاضطراب والخوف يعمان هذا القطاع بالفعل، إلى جانب قطاع الضيافة المرتبط أيضا. ولم تحقق القروض المعفاة من الفوائد بضمان الحكومات أهدافها على صعيد إسناد مشاريع الضيافة المتوسطة والصغيرة، ما سيجبر هذه الحكومات على ضخ مزيد من الأموال لضمان بقائها، لكن السؤال الأهم هو إلى أي مدى يمكن أن تمضي عمليات الضخ هذه لمنع خروج الأعمال من هذه السوق الهائلة؟ ولا سيما أن هناك قطاعات أخرى تئن هي الأخرى تحت وطأة كورونا.
أما قطاع صناعة السيارات، فهو ينافس قطاع السياحة في مستوى الأضرار التي لحقت به. في أوروبا انخفضت المبيعات من المركبات المختلفة 55 في المائة في شهر واحد فقط، وانخفضت في الولايات المتحدة 38 في المائة وهذه النسبة ستصل إلى 50 في المائة في النصف الثاني من العام الجاري. ومصانع السيارات توقفت بالفعل عن العمل كغيرها من المصانع الأخرى. وهي توظف في أوروبا 14 مليون شخص، إضافة إلى وظائف غير مباشرة تساوي عشرة أضعاف. وفي أقل من أربعة أسابيع تراجعت القيمة السوقية لشركات تصنيع السيارات عالميا 190 مليار دولار، بينما أخذ مستثمرون كبار بالتخلص تدريجيا من أسهمهم فيها، على خطى رجل الأعمال الأمريكي الشهير وارن بافت، الذي باع بالفعل كل ما يملك من أسهم في شركات الطيران الأمريكية.
قطاعات السياحة والسفر والطيران وتصنيع السيارات، تتصدر مشهد الخسائر الهائلة التي ضربت الأسواق كلها. ويبدو واضحا أن مرحلة تعافيها لن تكون سريعة حتى لو انتهت هذه الجائحة العالمية المروعة. دون أن ننسى أن قطاعات قليلة جدا هي الوحيدة التي شهدت نموا في خضم هذا الوباء، وكلها ترتبط مباشرة بالخدمات الإلكترونية واللوجستية، وهي الإنترنت والتجارة الإلكترونية، وتطوير البرمجيات، والخدمات اللوجستية وتلك التي تختص بالتوزيع. أي شيء آخر نال منه كورونا بأشكال، بات معه أضرار الأزمة الاقتصادية في عام 2008 مجرد زوبعة في فنجان.
إنشرها