Author

مستقبل الوظائف .. المخاطر كبيرة

|

لا أحد حول العالم يفكر في التوظيف حاليا. ما هو حاضر على الساحة جهود مضنية من الحكومات للحفاظ على الوظائف قدر المستطاع، في ظل تفشي وباء كورونا المستجد، الذي عطل اقتصادات العالم بصورة جزئية أو كاملة. وهذا ما يخيف بالفعل كل المخططين الاقتصاديين في هذا البلد أو ذاك. الأمر الذي يفسر بالطبع تدخل الحكومات على الفور لتسديد رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص بنسب متفاوتة. ففي بلد كبريطانيا، تسدد الحكومة في الوقت الراهن 80 في المائة من الراتب لأي موظف، وفي بعض الدول وصل إلى 100 في المائة. كل هذا يستهدف بالطبع الإبقاء على الوظائف لأطول فترة ممكنة، وبالتالي تمكن الشركات المؤسسات المختلفة من العودة إلى الإنتاج بصورة طبيعية عندما تكون الظروف مناسبة.
هناك مخاطر كبيرة حتى بعد انتهاء الأزمة، تستهدف بصورة مباشرة الوظائف. فبعض الشركات أعلنت صراحة أنها ستتخلى في وقت ما بنسب متفاوتة عن العمالة لديها، فضلا عن الشركات الأخرى، التي اضطرت للإغلاق نهائيا، وخلفت بالتأكيد شريحة جديدة من المتعطلين عن العمل. دون أن ننسى بالطبع، تقديرات منظمة العمل الدولية، التي أشارت إلى أن الجائحة قد تخلف أكثر من 195 مليون عاطل عن العمل على مستوى العالم. والأمر خطير جدا على الساحة الأمريكية، التي كانت الإدارة فيها تفتخر بخفض مستوى العاطلين بالبلاد في الأعوام الثلاثة الماضية. ففي غضون أسابيع بلغ عدد المتعطلين فيها أكثر من 20 مليون شخص. والحق، إن هذا كان طبيعيا في ظل حالة الركود الاقتصادي العالمي الآن، الذي لو استمر أسابيع أخرى قد يتحول إلى كساد مخيف.
غير كورونا كثيرا من المعايير التشغيلية. فهناك قطاعات أو مهن أو اختصاصات باتت خارج السوق، ولن تعود حتى لو انتهت الجائحة العالمية هذه. والقطاع السياحي (مثلا) يتصدر القطاعات المتضررة بكل فروعه "الطيران والنقل والضيافة وغيرها". وكذلك قطاع الخدمات، الذي فقد في بريطانيا "على سبيل المثال" 8 في المائة من قيمته في غضون أيام. هناك كثير من القطاعات المتضررة بالطبع، ولا يوجد في الواقع سوى قطاعات الصحة وتقنية المعلومات والتجارة الإلكترونية، يمكن القول: إنها لم تتضرر من هذه المحنة. ولأن الوباء الهائل سيغير الخريطة الاقتصادية بلا شك، فإن وتيرة التوظيف في المستقبل ستتغير أيضا، استنادا إلى المتغيرات العامة، بما في ذلك توقف مهن وخدمات بصورة نهائية.
هذه الحالة الخطيرة لن تكون حكرا على منطقة في العالم. فالكل في القارب نفسه بمن فيهم العرب الذين خسروا حتى الآن أكثر من 1.4 تريليون دولار منذ انتشار الفيروس الرهيب. يضاف إلى ذلك أن عمليات التوظيف ومعاييرها ستكون مرتبطة بصورة مباشرة بمستويات الانكماش التي ستواجهها الدول. والانكماش هنا، يعني ببساطة تعطل قطاعات واستغناء بعضها عن جزء كبير من العمالة، وبالتالي، فإن وتيرة التوظيف ستتراجع حتى بعد الانتهاء من هذه الجائحة، إلى جانب طبعا انتهاء مبررات وجود قطاعات أو مهن بعينها. الكل يخشى هذه الحقيقة التي ستضيف مزيدا من الأعباء على كاهل الموازنات العامة، وكل الحكومات أعلنت صراحة، أن الإجراءات التي ستتخذها على الصعيد الاقتصادي ستكون مؤلمة لفترة طويلة، بما في ذلك خفض الإنفاق، ورفع الضرائب المباشرة وغير المباشرة، واتخاذ القرارات غير الشعبية. إنه زمن الوباء الذي يرقى إلى مستوى حالة الحرب بالفعل.

إنشرها