Author

الاقتصاد الأمريكي بين الرئيس والحاكم

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"لن أقبل بإنهاء قيود كورونا في الولاية إذا أمر ترمب"
أندرو كومو؛ حاكم ولاية نيويورك
تدور في الولايات المتحدة مشاحنات علنية يومية بين دونالد ترمب؛ الرئيس الأمريكي، وأندرو كومو؛ حاكم ولاية نيويورك، غطت في بعض الأحيان على تطورات وباء كورونا المستجد، الذي سيطر على كل شيء، بما في ذلك الأخبار والأحداث العالمية كلها. العلاقة بين الرجلين ليست جيدة حتى قبل تفشي الوباء الذي وضع الولايات المتحدة على رأس قائمة الدول الأكثر تضررا منه، وساءت العلاقة أكثر من جهة تضارب مفاهيم كل من الرئيس والحاكم، حول طريقة التعاطي مع الاقتصاد الوطني في ظل كورونا، وحالة هذا الاقتصاد في زمن الوباء، والنظرة إليه في أعقاب انتهاء هذه المحنة، رغم أن كل المؤشرات تدل الآن على مسافة زمنية طويلة له، مع فشل العالم في العثور على لقاح يكبحه، أو حتى أدوات فاعلة وسريعة لاحتوائه.
منذ بداية الأزمة يسعى البيت الأبيض إلى الإسراع في إعادة فتح الاقتصاد من جديد؛ لتقليل ما أمكن من الخسائر المالية والاجتماعية الكبيرة الناجمة عنه. حتى إن ترمب اصطدم مع بعض مساعديه الذين يعتقدون أن توجه الرئيس في إعادة الحياة لاقتصاد البلاد يتسم بالسرعة غير المبررة، ويرفع من مستوى تفشي الوباء؛ ما يعمق التبعات الناجمة عنه. والجميع يعلم حجم الخسائر المدمرة الناتجة من الإغلاق الاقتصادي، وهو أمر ينسحب على جميع الدول دون استثناء. فالكل يسعى إلى تعزيز النمو، والحد من ضخ حزم الإنقاذ التي بدأت تحسب بتريليونات الدولارات. فالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) ضخ حتى الآن أربعة تريليونات في الاقتصاد، علما بأنه بدأ عمليات الضخ بأقل من ذلك بكثير؛ ما يعزز حالة أن السياسة الاقتصادية الراهنة تستند إلى صيغة رد الفعل، نتيجة التطورات المتلاحقة من جراء عدم السيطرة على كورونا.
الذي يخيف البيت الأبيض يوميا، هو الأعداد الهائلة من الأمريكيين الذين ينضمون إلى المتعطلين عن العمل. ففي شهر واحد فقط، فقد أكثر من 17 مليون شخص وظائفهم في كل القطاعات. ونحن نعلم أن الرئيس ترمب؛ بنى سمعته الشعبية على توفير الوظائف، بينما عجزت الإدارات الأمريكية السابقة في هذا المجال. وهذا الجانب، يؤثر بوضوح في التوجهات الشعبية في الانتخابات الرئاسية المقبلة. مع ضرورة الإشارة إلى أن أعداد العاطلين ستتزايد في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، خصوصا إذا ما عجز ترمب عن إعادة فتح الاقتصاد، ولا سيما في الولايات الأكثر مساهمة في دعم الناتج المحلي الإجمالي، ومنها نيويورك التي يتبادل حاكمها المشادات مع الرئيس.
التقديرات الخاصة بالاقتصاد الأمريكي متفاوتة، لكنها تتفق جميعا على أنه سيصاب بانكماش هائل إلى درجة أن توقع بنك كريدي سويس في تقرير جديد له أن يصل هذا الانكماش في الولايات المتحدة في الربع الثاني إلى 33.5 في المائة، وهذا يعني أنه أعلى من ذاك الذي ضرب البلاد نتيجة الكساد الكبير في نهاية العقد الثاني من القرن الماضي. وتعتقد الجمعية الوطنية الأمريكية لـ"اقتصادات الأعمال" أن البلاد دخلت فعلا في الركود الذي سيبقى على الأقل حتى النصف الأول من العام الجاري. وهذا في حد ذاته ليس غريبا، فأغلب الدول دخلت حقا في مرحلة الركود، وبدأت رسم سياساتها الاقتصادية على هذا الأساس. فعلى سبيل المثال، ريتشي سوناك؛ وزير المالية البريطاني قال بوضوح "إن بلاده تتعرض لأكبر صدمة اقتصادية منذ 300 عام".
المشكلة تكمن على الساحة الأمريكية بين الرئيس وعدد من حكام الولايات ولاسيما حاكم نيويورك، حول مفهومين مختلفين للتعاطي مع الأزمة. الأول يمثله ترمب الذي يرى أن فتح الاقتصاد بسرعة، يوفر قوة دفع مالية قوية، دون أن تتأثر استراتيجية احتواء كورونا أو السيطرة عليه. أما الآخر، ويمثله أندرو كومو؛ الذي يستند إلى أن من المستحيل تحريك الاقتصاد والسيطرة على الوباء في آن معا. وهناك مؤسسات أمريكية ودولية كبرى تتفق مع تفسير كومو. ويدعم بول كروجمان؛ البروفيسور الأمريكي الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد التفسير الثاني لهذا الأمر، فلا يمكن العمل في ظل وباء ينتشر دون رادع فاعل له. في حين أن التطمينات التي أطلقها الرئيس الأمريكي بأن استراتيجيته في إعادة تحريك الاقتصاد "ستحمي كبار السن وغيرهم من المعرضين للمخاطر، مثل القوات العسكرية، وأصحاب المهارات والمواهب، لمتابعة سير الأعمال"، لم تقنع المشككين بتوجهاته.
لن تتوقف المشادات الكلامية بهذا الخصوص، التي وصلت إلى حد الاتهامات في بعض الأحيان. فالخلاف جذري بين الطرفين، والتضارب يتصاعد بينهما، الأمر الذي أبرز جانبا لم يكن في البال أصلا، يتعلق بمدى صلاحية الرئيس والحكام في اتخاذ القرارات التي تخص ولاياتهم. فالمسألة دخلت في عمق الدستور الأمريكي ذاته. ويبدو واضحا أن الأيام المقبلة، ستحمل معها كثيرا من المواجهات التي يرى قطاع كبير من الأمريكيين أنها تجري في وقت غير مناسب، وأن مؤسسات البلاد كلها عليها أن تتحدث بصوت واحد لمواجهة كارثة لم تكن في الحسبان أصلا.
إنشرها