Author

الظروف الاستثنائية تتطلب إجراءات استثنائية

|
مختص في شؤون الطاقة
لا مناص من صروف الدهر وتقلب أحواله، فهذه سنة الله في خلقه وقد قيل "وإنك يا زمان لذو صروف... وإنك يا زمان لذو انقلاب". المصائب تقع والكوارث تحدث، وليس لنا إلا التسليم بقضاء الله وقدره، وأن نشمر عن سواعدنا مستعينين بالله لتجاوزها والخروج منها بأقل الخسائر. جائحة كورونا المستجد "كوفيد - 19" ليست ظرفا عابرا، بل حدثا جللا وكابوسا ألقى بظلاله على جميع دول العالم واقتصاده، الذي لم يكن في أحسن حالاته قبل تفشي هذا الوباء. هو ظرف استثنائي بلا شك يتطلب قيادة استثنائية للتعامل معه وتخفيف وطأته وتقنين آثاره السلبية الآنية والمستقبلية بعد انحساره، سواء كانت آثارا صحية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها. المتأمل لتعامل صناع القرار في العالم مع هذه الجائحة يعلم يقينا أنه ليس من السهل اتخاذ القرارات في هذه المرحلة، هي معادلة للموازنة بين صحة الشعوب واقتصاد أوطانها، كمواطن سعودي أقول من صميم قلبي: الحمد لله على نعمة السعودية وقيادتها، التي لم تتأخر قيد أنملة للقيام بكل ما يمكن القيام به للحفاظ على أرواح كل من يمشي على تراب هذا البلد الطاهر مواطنين ومقيمين. الحمد لله على وطن بذل كل ما في وسعه لحمايتنا بعيدا عن "معادلة الربح والخسارة"، وما تم القيام به لا تكفيه عشرات المقالات فجزاهم الله عنا خير الجزاء. أسواق النفط ليست في منأى عن هذه الجائحة التي أسهمت بقوة في مزيد من "التخمة النفطية"، فمن المتوقع أن ينخفض الطلب العالمي على النفط عام 2020 في حدود 20 مليون برميل يوميا. في ظل هذه الظروف التي شلت الاقتصاد العالمي، لست متفاجئا من هذه التوقعات حول انخفاض كمية الطلب، بل أعتقد أنها حقيقة يجب التعامل معها بتعاون الجميع. منتجو النفط قد لا يملكون أدوات الضبط والسيطرة على فيروس كورونا، لكنهم بلا شك قادرون على ضبط الإنتاج لتوازن الأسعار ووصولها إلى أسعار معتدلة تصب في مصلحة المنتجين والمستهلكين على حد سواء. أرى أن الموضوع أكبر من حرب سعرية وتنافس على الحصص السوقية، فكما ذكرت في عنوان هذا المقال، أن الظروف الاستثنائية تتطلب إجراءات استثنائية. سياسة إنتاج النفط السعودي دائما ما تعزز هذا المبدأ وأعني هنا توازن الأسواق وبقاء الأسعار في نطاق يخدم المنتجين والمستهلكين، وهذا ليس كلاما مرسلا فالمواقف مسجلة والأرقام تشهد بذلك. وصل تحالف "أوبك+" إلى اتفاق لخفض 9.7 مليون برميل يوميا بدءا من أيار (مايو) المقبل، لكن الأسعار لم تتفاعل إيجابا بل انخفضت حيث وصل سعر خام برنت إلى 29 دولارا للبرميل، والخام الأمريكي إلى دون الـ20 دولارا للبرميل، فهل فشلت الاتفاقية في تحقيق أهدافها؟ الاتفاق على خفض 9.7 مليون برميل يوميا هو اتفاق تاريخي، وأعتقد أنه لولا هذا الاتفاق لشاهدنا أسعارا منخفضة جدا للنفط قد تصل إلى دون الـ15 دولارا للبرميل بناء على وضع الاقتصاد. مهم جدا تعاون المنتجين الآخرين الذين وعدوا بخفض خمسة ملايين برميل من خارج تحالف "أوبك+"، فبتعاونهم والتزام الجميع ودخول الاتفاقية حيز التنفيذ ستتحسن أسعار النفط، وسيزداد تحسنها بالتزامن مع انحسار جائحة كورونا.
إنشرها