عدم إدراكك لظلك الذاتي سيقف عائقا أمام فرصتك أن تكون قائدا حقيقيا، بدا جون بالنسبة لكثيرين؛ شخصا منضبطا ذا أخلاقيات ويكد في عمله. تخرج من جامعة إيفي ليجو وانضم إلى بنك استثماري، رغبة منه في إثبات أن التلاعب المالي، الذي شوه تلك المهنة ليس إلا بضع تفاحات فاسدة، أصبح جون ناشطا في عديد من المؤسسات غير الحكومية وغير الربحية، ما عزز سمعته الحسنة.
مع ذلك، حصل تحول مع جون عقب زواجه. حيث انضم إلى العمل مع أحد الأشخاص الأثرياء، الذي كان بمنزلة النقيض من كل شيء يؤمن به جون. مع خيبة أمل أصدقائه، دافع جون عن سلوك رئيس عمله وحرف عديدا من الحقائق في المقابلات. تساءل البعض إذا ما كانت متطلبات زوجته خلف هذا التغيير؟. بينما اعتقد البعض الآخر أن سبب ذلك هو تعاطيه المخدرات.
مع الأسف لا يعد هذا المثال استثناء، فمثل هذه التحولات تحدث دائما، ليس فقط في عالم الأعمال، بل في عالم السياسية أيضا، في عالم يتم فيه التخلي عن المبادئ لمصلحة المركز. يرغب عديد من الأشخاص في أن يكونوا قريبين من مصادر القوة، ومستعدين للتخلي عن أخلاقياتهم إن تطلب الأمر. ربما كانت الأخلاقيات التي يظهرونها أمرا شكليا. ففي النهاية يغري المال والمجد أي دعوة لصحوة الضمير.
فما الآليات النفسية التي تقف خلف هذه التحولات؟ ولماذا يخضع الأشخاص لما يبدو تغيرا مفاجئا في الشخصية؟
نجح جون لفترة طويلة في إظهار نفسه على أنه شخص ذو أخلاق. ومن ثم ظهر الجانب المظلم في شخصيته. هل لدينا جميعا جانب خفي يطفو على السطح في ظروف معينة؟ للإجابة عن هذا السؤال ننتقل إلى كارل يونج مؤسس علم النفس التحليلي.
جعل يونج الظل مصطلحا شائعا لوصف الجانب غير المرغوب في شخصيتنا، وجوانب الشخصية التي نحاول إنكار وجودها أو تجاهلها. يتألف هذا الظل من رغبات وعواطف ودوافع مكبوتة، يتم إخفاؤها عن وعي وإدراك، لكنها قد تسيطر على تصرفات الشخص.
للعيش كبشر متكاملين يرى يونج، أنه يجب أن ندرك هذا الجانب المظلم فينا. فما نكبته لا يختفي ببساطة وعلى العكس، إذا لم نعره انتباها، فقد يقوم الجانب المظلم بالسيطرة بشكل أكبر على أفكارنا ومشاعرنا وخياراتنا وأفعالنا.
بعبارة أخرى، عدم الاعتراف بظلنا يعد أحد أكبر التحديات التي يواجهها الشخص خلال سعيه إلى العيش بصدق. وقد يترتب على عدم دمجه بشخصيتنا عنه عواقب وخيمة. قد يعاني الشخص في بعض الحالات اضطراب الهوية الانفصالية، وهو اضطراب عقلي يتسم بوجود شخصيتين بارزتين للشخص... يتبع.
