Author

معارك الملامة المؤجلة

|
كاتب اقتصادي [email protected]

 "هذا الفيروس الذي تسمونه كورونا المستجد، ليس إلا الفيروس الصيني"

دونالد ترمب؛ رئيس الولايات المتحدة
مع اقتراب عدد المصابين بوباء كورونا المستجد صوب المليونين من البشر، وكسر عدد الذين قضوا بسببه حاجز الـ 100 ألف، ومع انشغال الحكومات حول العالم، بتداعياته وتبعاته واستحقاقاته حتى ثقافته الإجبارية، بدأت معارك اللوم، وإن كانت بشكل متواضع، تظهر على الساحة. البعض يرى أن وقتها لم يحن بعد، لكن البعض الآخر يعتقد ضرورة طرحها، بصرف النظر عن تفاعلات كورونا الخطيرة في كل الميادين. والملامة هنا، لا تختص فقط بتلك التي ستتقاذفها الحكومات فيما بينها؛ بل تشمل أيضا لوم الحكومات نفسها من شعوبها، خصوصا تلك التي أظهرت فشلا في التعاطي مع أزمة الوباء على مختلف الصعد، الاجتماعية والصحية والاقتصادية. بعض الحكومات ظن في البداية أن كورونا لا يخصها! وهو ظن فضحها في أول مواجهة مع الوباء.
الرئيس الأمريكي دونالد ترمب؛ الذي تعاني بلاده أكبر إصابات مقارنة بغيرها من دول العالم، كان صريحا - كعادته - إلى درجة أن غيّر اسم الوباء العلمي إلى "الفيروس الصيني". وهو بذلك وجه الاتهام الأول للصين، وحملها المسؤولية كلها. وترمب؛ ليس وحيدا في هذا الخطاب على الساحة الغربية. حتى إن داميان جرين؛ النائب السابق لتريزا ماي؛ رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، قال بصراحة لا تقبل التأويل "من غير الممكن إنكار أن سبب انتشار الوباء يعود إلى الممارسات غير الصحية السائدة في أسواق الصين". ومضى أبعد من ذلك، بدعوته إلى معاقبة الصين، وأن تكون العلاقات الدبلوماسية بينها وبين بريطانيا، أشبه بتلك التي كانت قائمة بين المملكة المتحدة وروسيا خلال الحرب الباردة. أي علاقات حرب بصرف النظر عن طبيعة هذه الحرب.
لا وقت للملامة، هكذا يرى أصحاب فكرة التركيز على الأزمة، وبعد ذلك لكل حادث حديث. بما في ذلك التلاسن الأخير بين دونالد ترمب؛ وتيدروس أدهانوم؛ مدير منظمة الصحة العالمية الذي اُتهم من قبل الرئيس الأمريكي بالتحيز للصين في مواجهة أزمة كورونا. لكن المشكلة هنا، لا تكمن في اللوم بين الدول؛ بل بين حكومات وشعوبها. فهذه النقطة ليست قابلة للتأجيل، ولا سيما في ظل الفشل تلو الآخر الذي يصيب بعض الحكومات، ومن بينها حكومة بريطانيا نفسها التي سجلت أدنى مستوى في التعامل مع الكارثة. فنظام الرعاية الصحية الهش، والاضطراب في اتخاذ قرارات حاسمة مبكرة، وضع هذه الحكومة في عين العاصفة، إلى درجة أن نواب لحزب المحافظين الحاكم نفسه، انضموا إلى المنتقدين المطالبين بأجوبة عن عشرات الأسئلة.
هذا يؤكد مجددا أن كورونا وتبعاته سيحدث تغييرات سياسية أيضا إلى جانب التغييرات التي أحدثها بالفعل على الساحة في الوقت الراهن. تغييرات ستشمل عددا لا بأس به من الدول، خصوصا على الساحة الغربية. لا يمكن إبعاد التسييس عن مخرجات هذا الوباء، والسبب يكمن في أن التعاطي مع الخدمات الصحية مثلا يستند إلى معايير سياسية للأحزاب الحاكمة. ومحاولات بعض الدول التقليل من مستوى انتشار الوباء لديها، هو في حد ذاته سياسة تستهدف حماية المكتسبات في البلاد، والحفاظ على سمعتها في كل القطاعات التجارية والاستثمارية والسياحية وغيرها. من هنا، يمكننا فهم التشكيك الذي يظهر هنا وهناك، حول المعلومات الخاصة بكورونا من بعض الدول. لكن من الواضح أن هذه الكارثة أكبر من أن تجمل وأقوى من أن يغطى بعض جوانبها.
لا شك أن الحكومات تسعى إلى الحفاظ على سمعة بلادها في كل ميدان، وبعض هذه الدول يتأثر حتى بتصريحات إعلامية منزوية في أسفل صفحة جريدة متواضعة. لكن الوباء عالمي عنيف، والتغطية في هذه الحالة، تمثل في حد ذاتها كارثة على كل الأطراف. ولذلك فإن الخلاص من كورونا وأي وباء آخر بهذا المستوى، لن يتم إلا بالتعاون المباشر والشفافية المطلقة، مع ضرورة التذكير، بأن العالم لا يزال عاجزا حتى الآن عن التقدم خطوة واحدة إلى الأمام، على صعيد مقاومة الوباء واحتوائه. في حين أن أكثر المتفائلين في العثور على لقاح أو دواء، لا يتوقعون تحقيق خطوات عملية في هذا الصدد قبل نهاية العام الحالي؛ ما يعني أن الإغلاقات للاقتصاد ستتواصل، وقواعد كورونا ستتسيد المشهد العام.
ستكون هنا مواجهات قوية، وربما شرسة، في حرب اللوم، خصوصا إذا ما انتهى العالم من هذا الوباء. وقد نشهد علاقات دولية بمعايير مختلفة تماما بعد ذلك، ولا سيما في ظل تعاظم الأضرار التي سيخلفها كورونا هنا وهناك. ومع ذلك يبقى التعاون الدولي الملاذ الوحيد للبشرية من أجل التخلص من آثار الكارثة الناجمة عن وباء ظن البعض أنه مجرد حالة صحية عابرة. وعلى الحكومات في الغرب تحديدا أن تستعد للمحاسبة الشعبية، وهذه الأخيرة ستزيل أحزابا من الحكم، وتأتي بأخرى استنادا إلى ما صنعه كورونا في ذهنية الناخب العادي. والحكومات التي وضعت الخدمات في الدرجة الثانية ضمن أولوياتها، قد تصبح الأخيرة على الساحة السياسية. إنه زمن اللوم والحساب، حتى السباب في بعض الحالات.

إنشرها