أخبار

أي مستقبل لمنظمة الصحة العالمية بعد كورونا؟

أي مستقبل لمنظمة الصحة العالمية بعد كورونا؟

رئيس منظمة الصحة العالمية

أي مستقبل لمنظمة الصحة العالمية بعد كورونا؟

المنظمة متهمة بتقديم كثير من النصائح غير الدقيقة حول الفيروس في بدايات ظهوره.

ارتفعت حدة الانتقادات الموجهة إلى منظمة الصحة العالمية في الأيام الأخيرة، خاصة بعد تركيز الرئيس الأمريكي عليها، لدرجة يوشك فيها على تحميلها المسؤولية المباشرة عن معاناة الشعب الأمريكي من جراء فيروس كورونا، بعدما تصدرت بلاده قائمة قتلى الوباء؛ متجاوزة بذلك إيطاليا، وكذا أعداد المصابين؛ برقم يتجاوز نصف مليون مصاب، ما يعني أنها مرشحة للتحول إلى بؤرة الوباء في الأيام القليلة المقبلة.
عدّ كثيرون الهجوم الأمريكي المتصاعد على هذه المنظمة محاولة من إدارة الرئيس ترمب؛ إلى توجيه الأنظار عما يلحق الداخل الأمريكي من خسائر في الأرواح والأموال، فخلال أسبوعين فقدت السوق الأمريكية عشرة ملايين وظيفة، وارتفعت نسبة البطالة إلى 13 في المائة؛ وهي أعلى نسبة منذ الكساد الكبير عام 1929. تظهر القوة الكبرى في العالم شبه عاجزة أمام هذا الطوفان، فلا أطنان الأسلحة ولا مليارات الدولارات ولا القواعد العسكرية في كل بقاع العالم حتى في الفضاء قادرة على تجنيب البلاد ويلات هذه الجائحة.
قد يكون جانب من الهجوم الأمريكي داخلا ضمن هذه الاستراتيجية، لكنه قطعا لا يعني إثبات شهادة حسن السير والسلوك في حق هذه المنظمة، بشأن إجراءات تعاطيها مع هذا الوباء؛ فسجل المراقبين الدوليين حافل بالملاحظات والأخطاء حتى الفضائح، فيما يتعلق بإدارة وتدبير هذه المؤسسة الدولية لمجريات التعاطي مع الفيروس، منذ ظهوره لأول مرة، في مدينة ووهان الصينية، قبل نحو أربعة أشهر.
استهتار بفيروس كورونا
تظهر العودة إلى شريط أحداث تطور فيروس كورونا نصيبا لا يستهان به من المسؤولية الملقاة على عاتق منظمة الصحة العالمية، خصوصا أنها قدمت كثيرا من النصائح والإرشادات غير الدقيقة حول الفيروس في بدايات ظهوره، التي كان لها في بعض الأحيان مفعول عكسي سرّع من انتشار الوباء، كما أن المنظمة - بحسب عديد من المراقبين - لم تتعامل مع الفيروس بما يكفي من الجدية إلا بعد فوان الأوان.
صرح نائب رئيس تايوان، في مقابلة مع صحيفة بريطانية، بأن بلاده أخبرت منظمة الصحة العالمية، أواخر كانون الأول (ديسمبر) المنصرم، بأن عاملين في مستشفى ووهان المركزي أصيبوا بعدوى الفيروس؛ ما يشكل دليلا على انتقاله بين البشر، إحاطة يفترض من المنظمة تعميمها على الدول الأعضاء "196"، فيما يعرف باسم "اللوائح الصحية الدولية"، لكن ذلك لم يقع بسبب تجاهل المنظمة تلك التحذيرات، فيما حاولت الصين من جانبها وأد الموضوع، بملاحقتها طبيبا صينيا يحذر من خطورة الفيروس، بدعوى ترويجه الشائعات عبر الإنترنت.
لم تكتف المنظمة بالتجاهل؛ بل تعدته إلى التقليل من خطورة الفيروس، فغداة إعلان تايلاند يوم 13 كانون الثاني (يناير) تسجيل أول حالة إصابة خارج الصين، نشر حساب المنظمة على موقع التواصل الاجتماعي تغريدة تهوّن من أمر الفيروس، داعيا الصين إلى عدم فرض أي قيود على حركة السفر أو التبادل التجاري؛ ما سمح بتحرك ملايين المسافرين، وبقي الأمر على حاله لمدة أسبوع، إلى أن ظهرت الإصابات في كل من اليابان وكوريا الجنوبية، لتقر المنظمة حينها بمخاطر الوباء، وحقيقة انتقال العدوى بين البشر.
لكن تلك الخطورة - بحسب مدير المنظمة - لا تصل إلى مستوى الجزم بتحول الفيروس إلى وباء عالمي، فالصين في نظره قادرة على مواجهة واحتواء الفيروس، لذلك رفض الإعلان عن حالة طوارئ صحية عالمية بتاريخ 23 كانون الثاني (يناير)، رغم استيفاء كل المعايير لاتخاذ إجراء كهذا لاحتواء الوباء في أولى مراحل انتشاره، استمر التشكيك لأسبوع كامل، كان الوباء فيه قد انتشر عبر القارات، حيث أعلنت 19 دولة آلاف الإصابات، وتحولت دول جديدة إلى بؤر للعدوى.
طوارئ صحية متأخرة
كان بوسع تيدروس أدهانوم جيبريسوس؛ كسب معركة كورونا بأقل الخسائر، لو شكك في معطيات بكين حول الفيروس، وأعلنت منظمته حالة طوارئ صحية عالمية مبكرا، قرار لن يكون تيدروس؛ أول رئيس يتخذه في تاريخ المنظمة، فقد سبقته النرويجية جرو هارلم بورتلانت؛ حين اتهمت الصين بإخفاء الحقائق بشأن فيروس الالتهاب الرئوي الحاد «سارس» عام 2003؛ ما جعل حصار الوباء سريعا، بعدما أودى بحياة 800 شخص في العالم.
لا تعد مسألة الطوارئ الصحية أمرا جديدا على منظمة الصحة العالمية، فخلال عقد من الزمن "2010 - 2020" رصد خبراء الصحة حدوث 1483 انتشارا وبائيا إقليميا؛ أي على نطاق محدود، في 172 دولة، مقابل ذلك تم الإعلان عن طوارئ صحية على نطاق عالمي، خلال الفترة نفسها، خمس مرات فقط، هي: جائحة إنفلونزا الخنازير "2009"، ووباء شلل الأطفال "2014"، وجائحة إيبولا في دول غرب إفريقيا "2014"، وكارثة فيروس زيكا "2015"، وعودة أخرى لفيروس إيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية "2019".
ربط بعض المنتقدين هذا التأخر في مواجهة الفيروس بمدير المنظمة؛ فسجل أول إفريقي وأول مدير لم يزاول مهنة الطب في تاريخ هذه المنظمة حافل بوقائع من هذا القبيل. يتساءل كثيرون؛ كيف لمن ترك وباء الكوليرا يفتك بالإثيوبيين طيلة أعوام من العقد الماضي "2006 و2009"، حين كان وزيرا للصحة، ألا يخفي حقائق وباء كورونا في الصين، التي حظي بدعمها القوي خلال أطوار التنافس الانتخابي لمنصب مدير المنظمة.
ربما يكون لتاريخ ومسار الرجل نصيب فيما يجري، لكن سجل المنظمة حافل بأخطاء من هذا القبيل؛ فقبل أعوام كان تردد المنظمة سببا في هلاك 13 ألف شخص في كل من غينيا وليبيريا، بعد تأخرها في التعاطي مع انتشار فيروس إيبولا، وبالغت المنظمة عام 2010 في تقديرها لفيروس إنفلوانزا الخنازير، حين أوصت بإنتاج ملايين من جرعات اللقاح خشية موت الملايين، فسارعت الحكومات إلى اقتنائها وتخزينها، قبل أن تعمد إلى إتلافها لعدم صلاحيتها.
أي مستقبل أمام المنظمة؟
قد تبدو الحرب على منظمة الصحة العالمية - التي أكد مديرها أنها قريبة من كل الدول دون تمييز بينها، بعد تصريح ترمب عزمه على تعليق مساهمة الولايات المتحدة في ميزانيتها، التي تقدر بنحو 400 مليون دولار؛ أي ما يمثل 15 في المائة من ميزانية المنظمة - فصلا من فصول الصراع المتعدد الأشكال بين واشنطن وبكين، لكن الأمر أكبر من ذلك، إذ الغضب العالمي من أخطاء المنظمة في تزايد يوما بعد آخر، فقبل أيام اتهم نائب رئيس وزراء اليابان؛ أحد أكبر الأعضاء المساهمين، المنظمة بمجاملة الصين؛ ما أدى إلى انتشار فيروس كورونا.
تتالت الدعوات المطالبة بإعادة النظر في هذه الهيئة، بسبب فضائحها المتلاحقة من جراء توالي أيام الجائحة؛ ففي البداية حصرت المنظمة استعمال الكمامات على الأطقم الطبية فقط، قبل أن تتراجع مطالبة المصابين بارتدائها، ثم تحولت في الأيام الأخيرة إلى فرضها على الجميع مرضى وأصحاء لا فرق.
في هذا السياق، دعا البرلمان البريطاني إلى البحث عن هياكل جديدة من شأنها المساعدة على التصدي لهذه الجائحة، بعد التخبط المستمر لمنظمة الصحة العالمية، واقترح تفعيل مبادرة عام 2017 لوزير الصحة الألماني المتعلقة بـ«مجموعة العشرين للصحة العامة»، فقد تكون بديلا ولو مؤقتا، يوفر أرضية للتعاون الصادق بين الخبراء في جميع أنحاء العالم للتصدي لهذه الجائحة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار