يتباين الناس تباينا واضحا في قلوبهم ولا نقصد بذلك التباين العضوي من حيث كبر القلب وصغره أو قوته وضعفه، وإنما نقصد التباين المعنوي من حيث النقاء والصفاء والحقد والحسد والكبرياء والتواضع والحب والكره، وغير ذلك من خصائص القلب المعنوية.. في الحديث الصحيح أنه قيل للرسول - صلى الله عليه وسلم -، أي الناس أفضل؟ قال "كل مخموم القلب، صدوق اللسان" قالوا، صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال، "هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد". وقبل أن نسلط الضوء على مفردات الحديث ومعانيها نشير إلى أن كلمة "مخموم" تعني في اللغة "مكنوس"، فكأن قلب ذلك الشخص قد تم كنسه تماما وتنظيفه من جميع الأدران، فهو تقي يمتلك خاصية التقوى وهو نقي تمتلئ حواسه بالنقاء وهو خال من الإثم، أي الذنب وخال من البغي أي التعدي والظلم والفساد ومن الغل، وهو الحقد الكامن في الصدر ومن الحسد وهو تمني زوال النعمة عن الآخرين. إن الإنسان عندما يتصف بهذه الصفات الراقية فهو لا يحسن إلى نفسه فحسب، بل إلى مجتمعه فحب الخير للآخرين ونقاء السريرة نحوهم يوجد مجتمعا مثاليا يصعب اختراقه أو العبث بمكوناته. إن أجواء القلق والخوف تخيم على كثير من المجتمعات المتقدمة ماديا، مفقدتهم لذة السعادة ويقف كثير من العلماء والمختصين هناك حيارى تجاه أعداد المصابين بالأمراض العصبية والعقلية، على الرغم من تطور جوانب الحياة المادية وما ذاك، إلا بسبب البعد عن روحانية القلب وصفاء النفس والنظر إلى الكائن الإنساني ببعده الجثماني فقط، وإغفال الجوانب الأخرى التي تحقق سعادة الأفراد ومن ثم سعادة المجتمعات. إن الحديث الشريف الذي ذكرناه آنفا لينظر إلى الإنسان نفسه على أنه مستودع القوى. يقول ألكسيس كاريل في كتابه "الإنسان ذلك المجهول"، "استطعنا الظفر بالسيادة على كل شيء موجود على ظهر البسيطة.. فيما عدا أنفسنا.. فالإنسان كل لا يتجزأ وفي غاية التعقيد.. وليست هناك طريقة لفهمه في مجموعه أو في أجزائه في وقت واحد..". إن المجتمع الذي يكون أعضاؤه على قدر كبير من المحبة والتعاون سيكون مجتمعا قادرا على الوقوف في وجه أشد الصعاب، وسيكون أفراده لحمة واحده قادرة على مواجهة شتى التحديات، وإذا ازدهرت شجرة المحبة بين الناس فستزدهر حتما شجرة العمل معطية حينها أطيب الثمار.