Author

اقتصاد العالم وحزم الإنقاذ

|

 ضرب وباء كورونا المستجد الاقتصاد العالمي، ولا يزال يضرب، وسط فشل في العثور على حل له عبر لقاح جديد، أو حتى عبر وقف تفشيه السريع والخطير. وضرب الاقتصاد يعني ببساطة مزيدا من البطالة وتوقف الأعمال والاستثمارات والحركة التنموية وغيرها من أدوات الاقتصاد المعروفة. وهذا يؤدي بصورة طبيعية إلى ارتفاع معدلات الفقر حول العالم، ولا سيما في الدول التي تعاني هذه الآفة بصورة شديدة أصلا. ورغم أن هذه المعدلات شهدت تحسنا ملحوظا في الأعوام القليلة الماضية، إلا أنها لم تلبث أن تعرضت لضربة قاصمة من كورونا حيث من المتوقع - على سبيل المثال - أن تؤدي إلى فقدان أكثر من 25 مليون وظيفة عالميا؛ فضلا عن الآثار الخطيرة الأخرى في الميدان الاجتماعي.

بالطبع لم تنته ضربات هذا الوباء المستجد. وبالتالي لا أحد يعرف حدود الخسائر التي سيتسبب فيها على جميع الأصعدة الصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لكن تحذيرات البنك الدولي الأخيرة تعطي صورة قريبة للمشهد النهائي. فقد أعلن البنك أنه يتوقع أن يلحق الوباء أضرارا بالغة بجهود مكافحة الفقر في جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ، وأن ينضم أكثر من 11 مليون شخص في هذه المنطقة إلى قوائم الفقراء. وهذا يعني ببساطة أن كل الجهود التي بذلت على الساحة الدولية في العقدين الماضيين، ستذهب هباء في حال استمر كورونا في إحكام قبضته على الساحة الدولية. هذه الجهود التي أفرزت نتائج إيجابية في جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ في الماضي القريب ستتلقى ضربة عنيفة.
الضربة المشار إليها، تتعلق بأنه كان يتوقع أن يخرج أكثر من 24 مليون شخص من حالة الفقر في العام الجاري. أي إن هؤلاء سيظلون يعيشون بأقل من 5.5 دولار في اليوم الواحد. علما أن هذا السيناريو هو الأكثر تفاؤلا في حين تشير سيناريوهات عديدة إلى ارتفاع عدد هؤلاء في العام الحالي لمستويات خطيرة جدا. المهم الآن، أن أحدا لا يستطيع أن يحدد آفاق المرحلة المقبلة طالما أن الوباء القاتل وسريع الانتشار يسيطر على كل أرجاء الكرة الأرضية. لكن المؤكد يبقى أن أزمة اقتصادية كبرى ستظهر على الساحة في الفترة المقبلة، ربما تكون أشد وطأة من الأزمة العالمية التي انفجرت عام 2008 التي قيل عنها: إنها لا تحدث إلا كل 100 عام.
والواقع: إن الاقتصادات العالمية كلها تحتاج إلى حزم إنقاذ هائلة، ولا سيما اقتصاد دول شرق آسيا والمحيط الهادئ. فوفق تقرير للأمم المتحدة فإن الدول النامية بشكل عام تحتاج إلى أكثر من 2.5 تريليون دولار لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تسبب فيها حتى الآن وباء كورونا المستجد. وهذه الأموال غير متوافرة بسهولة، وتتطلب تحركا دوليا شاملا. دون أن ننسى أن الدول الكبرى تعاني هي الأخرى آثار الوباء بصورة كبيرة وغير متوقعة أيضا. وبالطبع الأمر يتطلب نهاية ضربات الوباء المشار إليه، كي تتم عملية التقييم الشامل للخسائر على كل الأصعدة البشرية والاقتصادية وغيرها. فالانكماش الاقتصادي بات ظاهرا في المشهد العام، وليس هناك مجال إلا للتحفيز، وهذا التحفيز يحتاج إلى تمويل كبير. وعلى هذا الأساس من المتوقع أن تكون توقعات البنك الدولي أقل من الحقائق التي سيتركها كورونا على الساحة، عندما يتمكن العالم من وضع حد له على الرغم من أن كل المؤشرات تدل على أن هذا اليوم ليس قريبا.           

إنشرها