أخبار اقتصادية- عالمية

كورونا يفاقم الفوارق الطبقية ويسدد ضربة هائلة لملايين الأمريكيين

كورونا يفاقم الفوارق الطبقية ويسدد ضربة هائلة لملايين الأمريكيين

زبائن يصطفون أمام سوبر ماركت في نيويورك. "أ ب"

كان ميجيل رودريجيز؛ الطاهي منذ عشرين عاما بمطعم في ماريلاند، لا يزال قبل ثلاثة أسابيع فقط يعيش حياة هانئة، واثقا بما يحمله له المستقبل، فقد كان الاقتصاد الأمريكي في وضع ممتاز والمطعم يغصّ بالرواد، وكان يجني مداخيل مريحة.
لكن الظروف تبدّلت بين عشية وضحاها حين أغلق المطعم بامر من السلطات ضمن التدابير المتخذة لاحتواء تفشي فيروس كورونا المستجد، ولم يقتصر الأمر عليه وحده؛ بل خسرت زوجته أيضا وظيفتها كنادلة في مطعم آخر.
وطبقا لـ "الفرنسية"، فإنه مع انتشار وباء «كوفيد - 19»، ظهرت بجلاء هشاشة أوضاع الملايين في الولايات المتحدة، كما ازدادت الفوارق الاجتماعية إذ طالت الأزمة الصحية في المقام الأول الأسر المتدنية الدخل والطبقات الوسطى.
ويلخص إدوارد ألدن؛ الخبير في مجلس العلاقات الخارجية الوضع قائلا: "إنها ضربة هائلة سُدّدت إلى ملايين الأمريكيين الذين كانوا بالكاد تعافوا من الأزمة المالية عام 2008".
ومع ازدهار الاقتصاد الأمريكي، سجلت الأجور المتدنية في نهاية 2019 زيادة بوتيرة غير مسبوقة في عشرين عاما، بعدما فرض عدد من الولايات حدا أدنى للأجور للساعة الواحدة.
غير أن شهر آذار (مارس) حل ومعه خسارة 701 ألف وظيفة، فوضع حدا لاستحداث الوظائف الذي كان مستمرا منذ أكثر من ثمانية أشهر، وارتفعت نسبة البطالة مجددا إلى 4.4 في المائة بعدما انخفضت إلى أدنى مستوياتها التاريخية في شباط (فبراير).
ولم يكن الرئيس دونالد ترمب؛ المرشح لولاية ثانية في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر)، يفوّت فرصة للإشادة بتراجع البطالة في صفوف السود والمنحدرين من أمريكا اللاتينية إلى أدنى مستوياتها.
لكن خلف هذه الصورة الزاهية، كان التباين الاجتماعي يزداد باستمرار بين الأكثر ثراء الذين راكموا أرباحا طائلة في «وول ستريت»، والـ90 في المائة المصنفين في أسفل السلم الاجتماعي.
ورأى جريجوري داكو؛ رئيس قسم الاقتصاد في مكتب "أوكسفورد إيكونوميكس"، أن الانكماش الذي سيلي تفشي وباء «كوفيد - 19»، "سيزيد من حدة التباين الاجتماعي"؛ لأن "خسارة الوظائف بشكل مباغت تتركز في قطاعات الخدمات المتدنية الدخل" في بلد قلّما يتضمن شباك أمان اجتماعي ويبقى معدل الادخار فيه متدنيا جدا لا يتعدى 8 في المائة.
ويبدي ميجيل رودريجيز؛ المنحدر من السلفادور، أسفه لاضطراره إلى تسجيل نفسه كعاطل عن العمل لأول مرة منذ وصوله إلى الولايات المتحدة عام 1983.
ويتساءل الرجل البالغ من العمر 55 عاما، إن كانت إعانات البطالة ستمكنه من إعالة أولاده الثلاثة البالغين من العمر 10 سنوات و13 و16 سنة، خصوصا أنها لا تأخذ في الحسبان البقشيش رغم أنه يشكل القسم الأكبر من دخله.
وهو يملك "بعض المدخرات" لكنها لن تمكنه من "الاستمرار سوى لبضعة أشهر"، وذكر جريجوري داكو؛ من بين عوامل التباين الاجتماعي الأخرى، أن 78 في المائة من الأشخاص الأدنى دخلا لا يملكون مدخرات للطوارئ تسمح لهم بمواجهة الصعوبات المالية غير المتوقعة، مقابل 25 في المائة من الأشخاص الأعلى دخلا.
وأضاف: "بالتالي، فإن الأشخاص الذين هم بأمس الحاجة إلى المدخرات هم الذين يملكون أقل قدر منها"، وسيكون الصمود في وجه انكماش طويل الأمد مستحيلا.
وحذر برادلي هاردي؛ الأستاذ في جامعة "أميريكان يونيفرسيتي"، من أنه يتعين "علينا أن نستعد لانعكاسات على الوظائف والأجور ستستمر حتى مطلع 2021 على أقرب تقدير"، مشيرا إلى أن عودة الأوضاع إلى طبيعتها قد تستغرق وقتا حتى مع مساعدات سخية من الدولة، إذ سيتحتم على العمال والشركات معاودة التواصل فيما بينهم، كما سيتحتم برأيه ترميم ثقة المستهلكين، وهو شرط لا بد منه حتى يشاركوا بشكل تام في الاقتصاد الأمريكي.
وذكر ألدن: "كما الأزمة المالية في 2008، فقد سلطت الأزمة الحالية الضوء على الأوضاع الهشة للغاية لعديد من الأمريكيين".
وهذه المرة أيضا، لم يتمكن الأكثر هشاشة من الإعداد لتقاعدهم، ومن غير المتوقع أن يتراجع عدد السبعينيين والثمانينيين المرغمين على العمل.
وبحسب أرقام فرع «الاحتياطي الفيدرالي» الأمريكي في سانت لويس، فإن 22 في المائة فقط من السكان الذين لم يتموا دراستهم الثانوية لديهم برنامج ادخار للتقاعد.
ويقول برادلي هاردي: "إنني واثق بأن هذا الانكماش ستكون له تأثيرات سلبية على مجمل المداخيل، بما في ذلك بالنسبة لبعض الأسر التي تبدو ميسورة.. وسيتحتم على عديد من أسر الطبقة الوسطى تحمّل أعباء ديون في ظل مدخرات ضئيلة، وهذا يصح بشكل غير متناسب للأسر السوداء من الطبقة الوسطى".
غير أن ميجيل رودريجيز؛ يتمسك بالأمل رغم القروض التي يتحتم عليه تسديد أقساطها، ويتابع: "ما أن نخرج من الورطة، سينتعش الاقتصاد من جديد؛ لأن الناس سيودون الخروج من منازلهم".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية