FINANCIAL TIMES

البنوك المركزية تتغلب على«حراس السندات»

البنوك المركزية تتغلب على«حراس السندات»

شرعت الحكومات في جميع أنحاء العالم في أكبر موجة اقتراض في التاريخ، في الوقت الذي تتطلع فيه إلى معالجة أزمة فيروس كورونا. يجب أن يمثل ذلك، من الناحية النظرية، ساحة صيد جيدة بالنسبة لـ"حراس السندات" - صناديق التحوط والمستثمرين الآخرين الذين يعاقبون دول الإنفاق الحر من خلال الرهان على ديونها، على أمل أن تؤدي زيادة الإصدار إلى انخفاض أسعار السندات وارتفاع العائدات.
لكن المستثمرين الذين يحاولون تجربة الحيلة نفسها اليوم، يبدو أنهم على وشك أن يواجهوا مصيرهم. ففي الوقت الحالي عمليات شراء السندات من قبل البنوك المركزية بلغت مستويات غير مسبوقة، حتى أن المستثمرين الذين يشعرون بالقلق من الارتفاعات الحادة في مستويات الديون الحكومية مترددون في التعامل معها.
قال إيان ستيلي، كبير مسؤولي الاستثمار الدولي للدخل الثابت في شركة جيه بي مورجان أسيت مانيجمنت: "على المدى القصير، ستنتهي فكرة أن تكون حارسا للسندات". أضاف: "سيكون هناك دعم هائل لأسواق السندات من البنوك المركزية في المستقبل المنظور. لا يريد المرء أن يحارب ذلك، لذلك يسعدنا أن نمتلك (سندات حكومية طويلة الأجل)".
حقق مستثمرو السندات المخضرمين بعض النجاحات الملحوظة في الأعوام الأخيرة. نتيجة لأزمة الديون في منطقة اليورو، مثلا، أبقى المستثمرون اليونان خارج أسواق الديون لمدة أربعة أعوام تقريبا، في حين حققت صناديق التحوط بما في ذلك "بريفان هوارد" و"ديسكفري كابيتال"، مكاسب كبيرة في أيار (مايو ) 2018، كما ارتفعت عائدات السندات الإيطالية وسط مخاوف من أن تتحمل حكومتها الجديدة المحتملة مزيدا من الديون وتفكك علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.
لكن عمليات الشراء كانت ضعيفة، في حين أدت عمليات شراء سندات البنك المركزي إلى تقليص العائدات وساعدت الدول على الحفاظ على تكلفة الاقتراض عند مستويات منخفضة للغاية.
توقع بعض الحراس المحتملين أن يمنحهم فيروس كورونا فرصة جديدة للحياة، وأن هناك خطط إصدار سندات كبيرة لتمويل الاستجابة للفيروس. تقترض المملكة المتحدة 45 مليار جنيه استرليني في نيسان (أبريل) فقط، وهو ما يقارب ثلاثة أضعاف جدولها السابق لهذا الشهر. حتى ألمانيا وضعت هوسها بالميزانية المتوازنة جانبا للسماح باقتراض 150 مليار يورو إضافية.
في غضون ذلك، عانت السوق نوبات من التقلبات، مع عمليات بيع شرسة الشهر الماضي، حيث أقدم المستثمرون على تصفية حتى السندات عالية الجودة للحصول على المال.
لكن محافظي البنوك المركزية كانوا قادرين على استعادة الهدوء مع مجموعات تدابير دعم كبرى - خاصة تعهد مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشراء كميات غير محدودة من سندات الخزانة الأمريكية. تكاليف الاقتراض في الاقتصادات المتقدمة الكبرى تقترب مرة أخرى من أدنى مستوياتها القياسية، ما يشير إلى أنه تم قمع انتشار أي أعمال من جانب حراس السندات في الوقت الحالي.
قال إيد يارديني، وهو اقتصادي أمريكي له الفضل في صياغة هذا المصطلح في أوائل الثمانينيات: "يبدو أن ’حراس السندات‘ كانوا شجعانا فيما يتعلق بإبداء آرائهم في الأسبوعين الماضيين. لكن ’جولة التسهيل الكمي الرابعة اللانهائية‘ وضعت حدا لذلك".
يشير يارديني إلى أن المستثمرين في الولايات المتحدة وأوروبا يجب أن يتطلعوا إلى اليابان لمعرفة ما الذي سيحدث بعد ذلك. عانت طوكيو عجزا ماليا كبيرا منذ عقود وتضخمت ديونها إلى 240 في المائة من الناتج الاقتصادي، لكنها لا تزال تتمتع ببعض من أقل تكاليف الاقتراض في العالم. يرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن بنك اليابان تجاوز البنوك المركزية الأخرى، من خلال شراء أكبر قدر من السندات التي يحتاج إليها للحفاظ على ألا تتجاوز العائدات مستويات معينة بموجب سياسة تعرف باسم "التحكم في منحنى العائد".
انخفضت عائدات سندات الحكومة اليابانية لمدة عشرة أعوام بشكل مطرد من نحو 2 في المائة عام 2006 إلى أقل من 0.02 في المائة اليوم. التداولات غير المجدية التي تراهن ضد السندات أطلق عليها اسم "صانعة الموت".
يبدو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يقترب من السيطرة على منحنى العائد. قال يارديني: "تحول بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل أساسي إلى بنك اليابان". قال داني يونج، الشريك المؤسس لصندوق التحوط "دايمون آسيا كابيتال": "هل ستتضخم سندات الخزانة وسندات الحكومة اليابانية لأجل عشرة أعوام. ربما يحدث هذا خلال حياتنا، لكن هذه ليست صفقة سأقضي كثيرا من الوقت عليها في الوقت الحالي".
يعتقد بعضهم أنه سيكون هناك وقت يخفض فيه حراس سوق السندات العائدات إلى مادون المستوى. تجادل سونال ديساي، كبيرة مسؤولي الاستثمار للدخل الثابت لدى "فرانكلين تمبلتون"، بأن برامج شراء الأصول الضخمة من المحتمل أن تصبح غير مستدامة بمجرد أن تبدأ الاقتصادات في التعافي، الأمر الذي يثير التضخم.
قالت: "الجميع يشتري بالجملة (...) الأوبئة فترة انكماش. ربما يكونوا على حق في المقام الأول، لكن ماذا عندما يعود الجميع إلى العمل".
تقول ديساي، إن الحجم الهائل لإصدار السندات يمكن أن يدفع المستثمرين في نهاية المطاف إلى المطالبة بتكاليف اقتراض أعلى، في الوقت الذي تجبر فيه الضغوط التضخمية البنوك المركزية على تقليص مشترياتها. وقالت إن هذا يمكن أن يشكل "عبئا ثقيلا من الديون المتراكمة".
قال يونج، من "دايمون": "عليك أن تختار الموقع المناسب". وهو يعتقد أن دولا مثل إيطاليا وإسبانيا، التي لا تتحكم بشكل مباشر في سياستها النقدية، يمكن أن توفر فرصا "متفرقة"، في حين أن الرهان ضد سندات الأسواق الناشئة أمر منطقي للغاية، لأنها "ليست لديها الموثوقية لطباعة (النقود)".
يتفق مديرو صناديق آخرون على أن الرهانات الكبيرة على اتجاه عائدات السندات يجب أن تنتظر.
قال ستيفن أوه، الرئيس العالمي للائتمان والدخل الثابت في "باين بريدج إنفيستمنت": "لا أعتقد أننا عالقون في الرمال المتحركة لأسعار الفائدة إلى الأبد ولن تكون حالات العجز مهمة على الإطلاق. في وقت ما يجب دفع ثمن هذا. لكن عندما تكون في حالة أزمة يحتمل أن تكون كارثية، يمكنك إلى حد كبير رميها خارج النافذة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES