FINANCIAL TIMES

فشل «كوفيد - 19» حتى في إخماد نيران الحزبية

فشل «كوفيد - 19» حتى في إخماد نيران الحزبية

تم مسح صفحة الماضي. لا يهم الطيف السياسي الذي ينتمي إليه أي أحد منا. هكذا قال لي كين؛ مدير الاتصالات في مقر عشرة داونينج ستريت، حيث بدأت الحكومة البريطانية الاستعداد للتعامل مع فيروس كورونا.
الرغبة في التوحد في مواجهة حالة الطوارئ الوطنية نبيلة. البريطانيون يحبون التحدث عن "روح بليتز"، مستحضرين ذكرى أروع ساعة في بريطانيا في الحرب العالمية الثانية.
يمكن سماع دعوات مماثلة إلى التخلي عن الحزبية السياسية في جميع أنحاء العالم الغربي، في الوقت الذي تكافح فيه الحكومات من وارسو إلى واشنطن من أجل الاستجابة.
هناك بالفعل بعض الأمثلة القوية على أعداء سياسيين لدودين يتحدون معا. الكونجرس الأمريكي - وهو نموذج للتعطيل والحزبية - تمكن من دفن الخلافات وتمرير حزمة تحفيز بقيمة تريليوني دولار.
في بريطانيا، استطلاع للرأي أجري أخيرا منح بوريس جونسون؛ نسبة تأييد بلغت 78 في المائة لمعالجته للأزمة - وهي أرقام ربما تحظى بمزيد من التعاطف مع رئيس الوزراء المصاب شخصيا بالفيروس.
قادة وطنيون آخرون، من بينهم الإيطالي جوزيبي كونتي؛ وإيمانويل ماكرون؛ في فرنسا، شهدوا كذلك ارتفاعا في نتائج التصويت لمصلحتهم.
تمعن قليلا، تجد أن الانقسامات الحزبية المألوفة عادة ما تكون تحت السطح. هذا الفيروس لن يقتل تلك الخلافات السياسية.
على العكس من ذلك، مع تصاعد الضرر البشري والاقتصادي الناتج عن «كوفيد - 19»، من المرجح أن تظهر الانقسامات السياسية القديمة مجددا؛ بل أن تتسع وتصبح أكثر حدة.
التشبيهات بزمن الحرب الشائعة حاليا غير دقيقة. في الحرب، يستبدل الأعداء المحليون بأعداء أجانب - ولدى هؤلاء الأعداء وجوه وأسماء.
ربما يكون من الأصعب توحيد دولة لكفاح طويل ضد مرض - وهو عدو غير مرئي وغير بشري. في الولايات المتحدة، من العلامات الواضحة على استمرار الانقسام الحزبي، الاختلاف المطلق في المواقف المتخذة تجاه فيروس كورونا بين الناخبين الجمهوريين والديمقراطيين. الاستطلاعات التي أجريت على أساس كل ولاية على حدة تظهر أن الديمقراطيين أكثر ميلا لقول إنهم قلقون للغاية من تفشي فيروس «كوفيد - 19».
المواقف تجاه أداء دونالد ترمب تعكس الانقسام نفسه بشكل مباشر أكثر. بالنسبة إلى أشد منتقديه المتحمسين، فإن المظاهر اليومية للرئيس الأمريكي تقدم دليلا لا جدال فيه على ما اعتقدوه طوال الوقت - أن ترمب غير مناسب بشكل أساسي للمنصب الرفيع. منتقدو الرئيس يشككون بأن نسبة الأصوات المؤيدة له ارتفعت فعلا، منذ بداية الأزمة.
مع تفاقم الوضعين الصحي والاقتصادي في الولايات المتحدة واحتدام الانتخابات الرئاسية - من المحتمل أن يصبح هذا الاستقطاب المستحث بفعل ترمب متخما بحقد أكبر. أي اقتراح بأن إدارته قد تسعى إلى تأخير تصويت تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بسبب فيروس كورونا من شأنه أن يجعل الوضع متفجرا.
في بريطانيا، حالة الطوارئ الصحية جعلت من السياسة العادية، حتى الجدل بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، غير مهم - لكن العداء السياسي المرير بين مؤيدي البقاء ومؤيدي الخروج لم يختف. كثير من مؤيدي البقاء لا يزالون يعتقدون اعتقادا راسخا بأن جونسون كاذب وغير مؤهل.
أي دليل على أنه أساء إدارة هذه الحالة الطارئة، أو أنه كان أقل صراحة، سيتم اعتباره تأكيدا لهذا الاعتقاد الراسخ.
في هذه الأثناء، مؤيدو خروج بريطانيا في حالة تأهب لأي علامة على وجود مؤامرة من مؤيدي البقاء، لإحباط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
الاقتراح القائل بضرورة تمديد المفاوضات التجارية البريطانية مع الاتحاد الأوروبي، من أجل السماح للحكومة بالتركيز على الجائحة، يتم التعامل معه بأقصى درجات الشك.
فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية مثلما حدث خلال الحرب العالمية الثانية تم رفضها أيضا من قبل كثير من مؤيدي خروج بريطانيا، باعتبارها مؤامرة كبيرة من مؤيدي البقاء.
النمطان الأمريكي والبريطاني، حيث التفشي ببساطة يرسخ الأحزاب السياسية في أعمق معتقداتها الراسخة، ينطبقان كذلك داخل الاتحاد الأوروبي. دعاة أدوات السندات الأوروبية المشتركة استغلوا الأزمة، باعتبارها دليلا على الضرورة الملحة للشيء الذي أرادوه طوال تلك المدة - سندات اليورو.
الحكومتان الهولندية والألمانية ما زالتا متشككتين في الفكرة. المواقف لم تتغير، لكن كانت هناك زيادة في مرارة اللغة المستخدمة.
أنطونيو كوستا؛ رئيس الوزراء البرتغالي، رفض التصريحات التي أدلى بها وزير المالية الهولندي، بأن دول الجنوب فشلت في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية، ووصفها بأنها شنيعة، وحذر من أن التفاهات المتكررة تهدد مستقبل الاتحاد الأوروبي.
الانقسامات المألوفة تتسع أيضا داخل بعض الدول الأوروبية.
في إسبانيا، اندلعت المواجهة بين حكومة كاتالونيا والحكومة المركزية في مدريد مرة أخرى - هذه المرة بشأن ما إذا كانت الحكومة الكاتالونية لها الحق في المطالبة بإنفاذ إجراءات إغلاق أمني أكثر صرامة داخل منطقتها.
الصدام بين القوميين الكاتالونيين والإسبان شكل كلاسيكي من سياسات الهوية، كان من المرجح دائما أن يظهر منيعا حتى في حالة طوارئ مصيرية من هذه الشاكلة.
تحت الضغط الشديد، يزداد احتمال لجوء الناس إلى ولاءات المجموعة والمعتقدات الأساسية. سيرون الأزمة من خلال ذلك المنظور - وسيكونون متيقظين لأي دليل على أن الجماعات التي يحتقرونها بالفعل، مخطئة أو تتآمر ضدهم. سيكون من اللطيف التفكير في أن هذه الأزمة ستسمح للدول الغربية، بتجاوز سياسات الهوية والحزبية السياسية لتتكاتف سويا.. بيد أنني لن أعول على ذلك كثيرا.
الانقسامات الحزبية المألوفة عادة ما تكون تحت السطح وهذا الفيروس لن يكون بوسعه قتل تلك الخلافات السياسية
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES