Author

قيادة «العشرين» والرسالة التاريخية

|

لكل مرحلة تاريخية أو أزمة عالمية، رجال ودول، يسجل التاريخ وتسجل الإنسانية جمعاء، كيف استطاعوا قيادة العالم وإنقاذه، وأثبت العظماء أحقيتهم بما سجله التاريخ لهم؛ لأنهم استطاعوا مجابهة القضايا الإنسانية الكبرى بقيمهم العظيمة، وقيادتهم الحكيمة. واليوم يمر العالم بجائحة كورونا، التي أرهبت البشرية، وأجبرت أكثر من نصف سكان الأرض على الحجر الصحي، وألغت الرحلات وعطلت المطارات، ودخل العالم من جرائها في ركود اقتصادي لا مفر منه، وبقيت هذه الآفة حتى اليوم تحصد الأرواح، فكتب الله تعالى أن تأتي هذه الجائحة؛ والسعودية تقود العالم، من خلال رئاستها قمة العشرين، رافعة شعارها «فرصتنا لنلهم العالم برؤيتنا» وقد كان، فقد نجحت السعودية نجاحا، ألهم الجميع، لتقود اجتماعات الدول العشرين، وهي التي يعيش فيها ثلثا سكان الأرض، إلى قرارات غير مسبوقة، سواء في القيم التي حملتها تلك القرارات أو في قيمتها.

منذ أن بدأت الدلائل تشير إلى أن انتشار فيروس كورونا أخذ بعدا عالميا، عملت كل أجهزة الحكومة السعودية بتناسق كبير ومدهش، من أجل مراقبة جميع الحدود لمنع دخول كثيف للحالات المصابة، رغم عدم تعاون دول مثل إيران وفقا للاتفاقيات الدولية، كما قامت بعزل مدينة القطيف فور ظهور المرض، وعلقت الدراسة بشكل عاجل، وأغلقت جميع مناطق التجمعات، ثم بدأت بتهيئة الرأي العام للإجراءات المهمة، التي ستتخذ والتي لم يسبق للشارع السعودي أن تعامل معها كمنع التجول، في أغلب أوقات اليوم، تزامن مع هذه القرارات، استنفار لجميع الطاقات من أجل توفير السلع، ومنع أي إشارة للمجتمع بحدوث أزمة من أي نوع، واستخدمت التقنيات المتاحة جميعها؛ ليعيش الناس يومهم، وينجزوا أعمالهم دون الحاجة إلى الاتصال المادي؛ ما شكل نجاحا اجتماعيا واقتصاديا وإداريا وأمنيا مدهشا، لدرجة جعلت كثيرا من المقيمين في المملكة يفضلون البقاء فيها عن العودة إلى بلادهم، رغم أن الحكومة السعودية وفرت وسهلت الإجراءات لهم، وما ذاك إلا لشعورهم بالأمان من الجوانب جميعها، الصحية و المعيشية.
لقد أبهرت المملكة العالم، في تعاملها مع هذه الأزمة بروح لم يعرفها العالم من قبل، قيم تمثلت بوضوح، في أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ بمعالجة كل إنسان على هذه الأرض مجانا، وهذه الإجراءات جعلت مدير منظمة الصحة العالمية يطلب من العالم تطبيق الإجراءات السعودية، والقيم الإنسانية التي تقدمها؛ هذه القيم الإنسانية العالمية لا تليق إلا بدولة مكانها قمة العالم لتقوده، وإذا كان الإعلام العالمي سينقل أحداث اجتماعات ممثلي قمة العشرين لجميع المستويات، وممثلي السعودية في رئاستها، فإنه حتما سينقل صور الإنسانية وكرامة الانسان.
 كما أشرنا، فإن قيادة السعودية قمة العشرين، أحدثت نقلة في أسلوب عمل المجموعة، حيث استطاعت القيام بأول اجتماع افتراضي عند مستوى القمة؛ ما ألهم كل دول العالم بهذه التقنية، بإمكانية إنجاز الأعمال والاجتماعات من خلالها، فلقد تسابقت كل وسائل الإعلام العالمية، إلى إظهار الاجتماعات الافتراضية في كل الدول؛ ما يجعلنا نقول بفخر: إن نجاح قمة العشرين ألهم العالم فعلا في وقت هو أشد ما يكون في حاجة إلى من يقوده في ذلك. ولعل في هذا النجاح ما حقق كثيرا للاقتصاد الرقمي، وهو الموضوع، الذي وضع ضمن أهم موضوعات قمة اليابان الماضية، لكن لم تكن الاجتماعات فقط هي التي ألهمت العالم؛ بل القرارات غير المسبوقة، التي جعلت دول العشرين تقدم دعما قياسيا بلغ خمسة تريليونات دولار؛ واضعة دعم الدول الناشئة في مقدمة أولوياتها.
هذه هي الرسالة، التي طالما حملها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، في اجتماعات القمة السابقة، فلقد صرح الأمير في أكثر من مناسبة، بأن القمة يجب أن تهتم بالدول الناشئة والشعوب الفقيرة، كما ضمنت المجموعة بقاء خطوط التجارة مفتوحة، وسلامة الإمدادات، وهي - التي تسيطر على 90 في المائة من الاقتصاد العالمي -؛ ما جعل العالم مطمئنا بشأن المستقبل القريب.
 لقد كانت قيادة السعودية للعالم في قمة العشرين رسالة في حد ذاتها، رسالة إسلامية، جعلت العالم يتعرف على قيم الإسلام الحقيقية؛ حقيقة، لم تكن لتصل أبدا بأصوات من يرفعون شعارات الإرهاب والقنابل والجماعات والأحزاب. هنا تتجلى معان كبرى لشبابنا؛ فالعلم والثقة بالنفس والثقة بقيادة هذه البلاد، معان؛ ستقودنا إلى العلا، وتوصل رسالة الإسلام السامية وقيمه الراسخة إلى العالم.           

إنشرها