FINANCIAL TIMES

الجائحة تدفع جنوب أوروبا إلى اكتشاف التسوق الرقمي

الجائحة تدفع جنوب أوروبا إلى اكتشاف التسوق الرقمي

الإغلاق وحظر التجول يسهم في تحويل التسوق الرقمي إلى ضرورة.

متجر مزرعة جيرالدين دي ويفر الذي تديره العائلة في نورماندي، يعمل في تجارة رائجة خلال فترة الإغلاق بسبب فيروس كورونا في فرنسا. أكثر عروضه شهرة: خدمته الجديدة عبر الإنترنت.
لقد "كانت مجرد مصادفة أن ازدهر الموقع الأسبوع الماضي، والآن بعد أن أصبح الناس قلقين بشأن الخروج، أو أن يكونوا عالقين بالمنازل، فإنهم يطلبون عبر الإنترنت. إن علينا مواكبة العصر" حسبما قالت دي ويفر.
مع إغلاق جزء كبير من جنوبي أوروبا لإبطاء تفشي الجائحة، ثمة تجربة في طور التجلي: هل سيكون فيروس كورونا المحفز الذي يدفع أخيرا الإيطاليين والإسبان والفرنسيين إلى عصر التسوق عبر الإنترنت؟
دي ويفر؛ أطلقت خدمتها من خلال صفحة على "أولكا"، وهي شركة ناشئة تساعد الجزارين المحليين، وتجار السمك وبائعي الفاكهة والخضراوات، على التحول إلى العمل من على منصة رقمية.
المؤسس فيكتور جوبورج؛ قال إن مبيعات سوقه خلال الأيام الثلاثة الماضية كانت مرتفعة، مثلما كانت خلال فترة عيد الميلاد النشطة، وإن "أولكا" أضافت 20 بائعا جديدا حرصاء على تحولهم إلى منصة عبر الإنترنت بسرعة.
ما عدا "أولكا"، فإنه لا يزال هناك كثير مما ينبغي عمله. إيطاليا وإسبانيا تعد من بين أقل معدلات انتشار التجارة الإلكترونية في أوروبا بنسبتي 4 و 5 في المائة، على التوالي، من إجمالي إيرادات تجارة التجزئة، وذلك وفقا لمركز أبحاث البيع بالتجزئة.
فرنسا أحرزت تقدما أكبر، حيث تشكل التجارة عبر الإنترنت فيها نحو 10 في المائة من المبيعات، لكنها أقل من 20 في المائة في بريطانيا أو 36 في المائة في الصين. يقول محللون إن التبني يختلف اختلافا كبيرا تبعا للمنتج، إذ يتقبل المستهلكون الأوروبيون شراء الملابس أو الإلكترونيات أو الكتب عبر الإنترنت، أكثر من تقبلهم شراء الأطعمة الطازجة.
هناك مجموعة من العوامل الأخرى تؤخذ في الحسبان أيضا: انتشار الشبكات عريضة النطاق، والوصول إلى بطاقات الائتمان، وقوة البنية التحتية لخدمات التوصيل، وكذلك الاختلافات الثقافية الحقيقية.
يميل الناس في فرنسا – مثلا - إلى شراء رغيف فرنسي طازج من مخبز محلي كل يوم، بينما يعيش الإيطاليون على المطاعم المحلية، أما الإسبان فيفضلون الأسواق المفتوحة في الهواء الطلق.
الطبخ في المنزل - أصبح رائجا وسط الإغلاق - لم يفقد كثيرا من فعاليته أمام خدمات التوصيل مثل "ديليفرو". قيمة سوق توصيل المطاعم في إيطاليا وإسبانيا تقدر بأقل من مليار دولار لكل منها سنويا، مقارنة بثمانية مليارات دولار في بريطانيا.
الحياة تحت الحجر الصحي غيرت السلوك.
في إيطاليا، في ظل الإغلاق منذ التاسع من آذار (مارس) الماضي، قالت سلسلة متاجر كارفور إن عدد الزبائن عبر الإنترنت، تضاعف لديها إلى 110 آلاف زبون. المبيعات من خلال شراكتها مع "جلوفو" الناشئة اللوجيستية، التي تقدم خدمة توصيل مواد معينة في 30 دقيقة أو أقل في المدن الإيطالية، ارتفعت بأكثر من عشرة أضعاف.
في فرنسا، تقدر شركة نيلسن للأبحاث ارتفاع الطلبات عبر الإنترنت للتوصيل إلى المنازل بنحو 32 في المائة على أساس سنوي، في الأسبوع الذي بدأ في الثاني من آذار (مارس) الماضي، في حين ارتفعت الطلبات عبر الإنترنت ذات التسلم الذاتي بنحو 29 في المائة. السلاسل الفرنسية كانت رائدة في نموذج الطلب والتسلم للبقالة منذ عقد من الزمن، لأنها تعمل بشكل جيد مع محال السوبر ماركت الكبيرة، الموجودة في ضواحي المدن والبلدات.
أميلي أوديا كاستيرا؛ رئيسة قسم التجارة الإلكترونية لدى "كارفور"، قالت إن المجموعة تسابق لتطوير خدمات جديدة، لمساعدة كبار السن المحصورين في منازلهم. لقد تم اختبار خط هاتف مصرفي جديد لتلقي الطلبات من كبار السن، الذين قد لا يكونون ملمين بالتكنولوجيا على نحو كاف للتسوق عبر الإنترنت. وأضافت: "إذا استمرت الأزمة لفترة طويلة، فإننا نفكر أيضا في بيع اشتراكات لسلة من السلع الأساسية مثل اللحم والخبز والمعكرونة والمربى، في وقت تسليم ثابت كل أسبوع". في إسبانيا، هناك دلائل تشير إلى أن الناس يتأهبون للبقاء لفترات طويلة في المنزل.
"إل كورتي إنجليز" وهي أكبر سلسلة متاجر كبرى في أوروبا، شهدت زيادة كبيرة في الطلب على الهواتف وأجهزة التلفزيون الذكية وألعاب الأطفال والثلاجات والمجمدات الكبيرة. "الناس ينفذون عمليات الطلب هذه عبر الإنترنت بدافع الضرورة أو بسبب مخاوف صحية"، حسبما أعربت المجموعة. "لذلك، يمكن للزبائن الذين كانوا في السابق غير مرتاحين للطلب عبر الإنترنت، أن يروا الآن مزايا فعل ذلك".
جويل دي مونتجولفيه؛ خبيرة التجزئة في شركة بين آند كو، تعتقد أن سلوكيات المستهلك الجديدة يمكن أن تطيل من أمد الأزمة. "كثير من الناس يتعرفون على طلبات البقالة عبر الإنترنت للمرة الأولى"، على حد قولها. "ينبغي أن يؤدي ذلك إلى تسارع فئة قاومت الدخول إلى الإنترنت لفترة طويلة، لأن الناس يريدون رؤية منتجاتهم، للحكم على النضارة والجودة".
لسوء الحظ، بالنسبة إلى كثير من الأشخاص، كانت التجربة عبر الإنترنت محبطة. مواقع الشبكة كانت بطيئة والطلبات فشلت عند مرحلة الدفع.
"كارفور" اضطرت إلى تثبيت نظام طابور افتراضي، للتحكم في عدد الأشخاص الذين يتسوقون من على مواقعها على الإنترنت. تجار التجزئة الآخرين يعوقهم نقص القدرة على التوصيل أو الموظفين لإعداد الطلبات.
في ميلانو، قيد متجر إيسيلونجا طلبا واحدا في الأسبوع، مع شيوع الانتظار الطويل للتوصيل. العدد الهائل من الأشخاص الذين يتسوقون في المحال المادية لسلسلة متاجر ميركادونا في إسبانيا، أدى إلى إيقاف تلقي الطلبات عبر الإنترنت في معظم أنحاء الدولة. "إن تجربة العميل خلال هذه الفترة معرضة للتدهور بشدة"، على حد قول أوليفييه لاماري؛ خبير التجزئة في "نيلسن".
حتى شركة أمازون العملاقة للتجارة الإلكترونية تواجه مشكلات: احتج العاملون في مستودعاتها في الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا، بعد ظهور حالات مصابة بفيروس كورونا، وتقدر أنها تحتاج إلى توظيف 100 ألف شخص لمواكبة الطلب المتزايد. كما بدأت بحظر الشحنات مؤقتا إلى مستودعاتها في الولايات المتحدة وأوروبا من جميع الأصناف، بخلاف الضروريات واللوازم الطبية.
مع امتداد فترات الإغلاق طويلا، من المرجح أن يتحول الأشخاص أكثر إلى تطبيقات توصيل الطعام. التجربة المكتسبة في أسواق مثل هونج كونج تشير إلى أن المستهلكين يتجنبون في البداية توصيل الطعام، وبدلا من ذلك يختزنون السلع الغذائية. ثم، بعد أسبوعين، عندما يتعبون من طهي الأطباق نفسها في المنزل، تنشط الطلبات من المطاعم عبر الإنترنت، مرة أخرى. هذا الارتفاع البسيط ليس واضحا بعد في أوروبا، حيث لا يزال المستهلكون في حيرة من أمرهم، بشأن الاحتياطات التي يجب عليهم اتخاذها والخدمات المتاحة. في باريس، اختفى كثير من المطاعم التي كانت عادة ما تقدم التوصيل من خلال التطبيقات، من ضمنها سلاسل كبيرة مثل "ماكدونالدز" و"كي إف سي" التي اختارت الإغلاق، على الرغم من أن قواعد الحجر الصحي ستسمح لها بمواصلة توصيل الطعام.
"الأيام القليلة الماضية، كانت كارثة - الجميع مذعورون، ومن الصعب جدا العمل"، حسبما أفاد تنفيذي في شركة توصيل طعام.
"شركات النقل لا تريد الخروج في الهواء الطلق والمطاعم تغلق أبوابها. على المدى القصير، يعد هذا أمرا صعبا للغاية، لذا لا نرى أي تأثير إيجابي بعد".
مع عمليات الإغلاق الطويلة التي تلوح في الأفق، جندت "أوبر إيتس" مزيدا من المطاعم، وروجت للمنصة باعتبارها شريان حياة.
في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا هذا الأسبوع، تطرح "أوبر إيتس" نظام تسجيل سريع للسماح للمطاعم ببدء البيع من خلال تطبيقها في غضون يومين، بدلا من مدة الأسبوع المعتادة.
إنها بذلك تلغي مطلب التقاط الصور والسماح للأشخاص باستخدام أجهزتهم الخاصة، بدلا من شحن جهاز لوحي لإدارة الطلبات.
للمساعدة على التدفق النقدي، فإنها ستتنازل أيضا عن رسم التنشيط البالغ 600 يورو حتى نهاية آذار (مارس) الماضي، وتدفع للتجار يوميا بدلا من أسبوعيا. "على المدى الطويل سيغير ذلك عادات الناس"، وفقا لما قال تنفيذي في شركة لتوصيل الطعام. على أنه "بمجرد عودة الأمور إلى طبيعتها، نحتاج إلى التأكد من أننا نتمتع باقتصاديات مستقرة للجميع".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES