Author

4 مشاهد اقتصادية من خلال أزمة كورونا

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى

المشهد الأول: مفهوم إدارة الأرباح، إذا كانت الأمور سيئة فلماذا لا تكون أسوأ؟

لغير المختص، فإن إدارة الأرباح هي، إحدى الممارسات التي تقوم بها الإدارة التنفيذية عموما، وتتم باستخدام التقديرات المحاسبية لبعض المصروفات بشكل مفرط، مثل مخصصات الديون المشكوك في تحصيلها، والاستهلاك، أو بعض الخسائر التقديرية، التي تقضي المعايير المحاسبية باحتسابها، كما أن هناك أنواعا من الخسائر الناتجة عن تراجع أسعار الأسهم والسندات، وغير ذلك كثير، وكي يبقى المقال صالحا للقراءة من غير المختصين؛ فإن الشاهد هنا أن إدارة الأرباح تحدث من خلال استخدام مفرط أو تعطيل مقصود في قيمة هذه المصروفات، وكذلك للإيرادات، ومرد ذلك لمنفعة المديرين التنفيذيين.
فإذا كانوا يرغبون في تضخيم الأرباح، فإنهم يبالغون في التقديرات الجيدة للمصروفات ويسارعون إلى إثبات الإيرادات، ولو لم تتحقق بعد، وإذا كانوا يريدون إعلان الخسائر، فإنهم يضخمون التقديرات السيئة. وهناك أبحاث كثيرة وجدت أن المديرين يفعلون ذلك عادة لمعالجة المكافآت التشجيعية أو ما يسمى Bonus، وهذه الأبحاث بينت أن هناك نقاطا معنية في منحى الأرباح، أعلى نقطة تسمى Cap، وأدنى نقطة تسمى Bogey، فإذا كانت الأرباح بين هاتين النقطتين فإن المديرين يعظمون الأرباح أكثر؛ لتعزيز المكافآت، وتحسين صورة الدخل، لكن إذا كانت أقل من الحد الأدنى (خسائر) أو وصلت إلى الحد، الذي لم يعد هناك نمو كاف لتبرير المكافآت، فإن المديرين يسعون إلى جعل الخسائر أكبر، أو التحول من الربح إلى الخسارة، وذلك بإطفاء جميع الخسائر المحتملة دفعة واحدة فلا تأثير إضافي في المكافآت، وهذا يضمن لهم العودة من جديد بالنمو والأرباح والمكافآت في الأعوام التالية، بمعنى أوضح، إذا كانت الأمور سيئة فعلا ولا ضرر إضافي فما المانع "في مفهوم إدارة الأرباح" أن تكون أشد سوءا؟
المشهد الثاني قبل كورونا:
قبل كورونا كان النمو الاقتصادي العالمي في حالة صعبة مع أمرين معا، الأول الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي يبدو فيها المشهد دمويا من خلال فرض رسوم وتعريفات قاسية من كلا الطرفين تسببت في تشوهات واسعة النطاق، وقد تبين أنها لم تجبر أي طرف على التراجع، كما أن المشهد أشد في معركة الجيل الخامس للاتصالات السريعة وعالم إنترنت الأشياء G5، فالنمو العالمي يترنح من 3 في المائة إلى أقل من ذلك، مع تراجع واسع النطاق في نمو كثير من دول العالم، الديون العالمية وصلت إلى حدود قياسية، وهذا تسبب في قلق واسع بشأن احتمالية تباطؤ النمو أكثر، استخدم كثير من الدول الصناعية أساليب خفض الفائدة حتى مستويات صفرية، وهي مستويات لم تعهدها المصارف من قبل ولم تتعامل معها بهذه الحدة، ذلك أنها لو قامت بالإقراض عند تلك الحدود، فإن التكلفة الإدارية للعملية المصرفية ستكون أكبر من العوائد، وأصبح خروج عديد من المصارف مسألة وقت، ولو حصل مثل هذا الاتجاه فإننا أمام أزمة مالية جديدة، ولو تم رفع سعر الفائدة فإن الاقتصاد سيدخل الركود الطويل، وقد نشهد مظاهر الكساد، صاحب ذلك موجة تشاؤم حاد بالانهيار الاقتصادي، مع تفشي ظاهرة الأفلام والمسلسلات عن انتشار وباء قاتل، وكأن المشهد الاقتصادي عموما يستعد لما بعده.
المشهد الثالث: كورونا في الصين
مع أواخر أيام عام 2019 تبين للصين أنها تواجه فيروسا جديدا في مدينة ووهان "ظهر هذا الاسم سابقا في مسلسلات التشاؤم"، لكن لا أحد اكتشف حتى الآن من هو المريض (صفر)، أي الحالة الأولى، ومن أين أتت هذه الداهية. لقد عملت الصين أخيرا لنفسها، عندما أوقفت احتفالات 24 كانون الثاني (يناير)، التي كانت ستسبب في أكبر كارثة تاريخية هناك، لكن كأن الفيروس قد أدرك أنه حقق فشله في الصين لذا قرر أن يهاجم العالم، فلم ينته يوم 29 كانون الثاني (يناير) إلا بإعلان وصول المرض إلى مدن الاكتظاظ المشهورة مثل، قم الإيرانية، الفاتيكان الإيطالية، وعواصم العالم القريبة من الصين، وقيل حينها: إن هذا الانتشار قد جاء بسبب السفر، رغم شدة الاحتياطات، التي اتخذتها الصين وإغلاقها المطارات والمدن. وبحمد الله، فإن المملكة تنبهت في وقت سريع إلى ظاهرة المدن المكتظة، وسارعت إلى إغلاق الحرمين المكي والمدني عاجلا. ولعل الاختلاف الجوهري بين أعداد المصابين في المملكة وبقية العالم، أتت من هذا القرار التاريخي والمفصلي، فقد كان المرض يستهدف تلك الأماكن بشدة حتى جاء 11 شباط (فبراير) لتعلن منظمة الصحة العالمية، أنه وباء عالمي.
المشهد الرابع: بعد إعلان الوباء
 قبل هذا الإعلان، وبسبب توقف الأعمال في الصين، تدهورت حال سوق النفط، ثم في مشهد محزن أغلقت المطارات الواحد تلو الآخر، وتسابق الناس على الفوز برحلة العودة إلى منازلهم، ودخل الملايين من البشر الحجر الصحي، وأغلقت الأسواق وتوقفت الإمدادات، وتوقف الملايين من العمال عن الإنتاج، وأصبح الكساد وليس التباطؤ حقيقة ماثلة مع ملايين العاطلين عن العمل، فهل مقولة "إذا كانت الأمور سيئة فعلا، فلماذا لا تكون أسوأ" مقولة صحيحة هنا؟ هذه الأجواء الكئيبة، دفعت بخطط لتأجيل سداد القروض سواء عن دول العالم الناشئة والأشد تضررا، أو الأفراد والمؤسسات، كما قررت مجموعة العشرين أن تتدخل بأضخم حزمة دعم في التاريخ، خمسة تريليونات دولار. فهل عندما تنتهي الجائحة - بإذن الله - سنرى قفزات في النمو العالمي وتحسنا في أسعار الفائدة والخروج من مأزق الفائدة الصفرية الذي خنق العالم قبل الأزمة؟ فحجم الدعم مهول بكل معنى الكلمة، والدفع بالصناعات الأساسية سيبلغ الذروة في كثير من العالم مع حمى الخوف من تناقص الإمدادات.

إنشرها