Author

استراتيجيات اقتصادية لمواجهة الجائحة

|

أيا كانت وجهات النظر متعارضة حول حال الاقتصاد في الأزمات، ومهما كانت القناعات متضاربة في هذا الشأن، فإن التدخلات الحكومية، هي العامل الأهم في الأزمات. وكلما كانت المصيبة أو الأزمة قوية، كان التدخل الحكومي كبيرا وشاملا. الأسواق تعرضت لخسائر فادحة فور انفجار وباء "كورونا" المستجد، ثم تفشيه بعد ذلك حول العالم أجمع تقريبا. و الخسائر كانت متوقعة. لأن أي أزمة مهما كانت صغيرة، يمكنها أن تغير مؤشرات الأسواق. والأمر بسيط، علينا أن نستعرض ونستفيد فقط من التجارب السابقة في القرن الماضي ومطلع القرن الحالي. كل شيء معرض للخسائر، حتى إن بعض القطاعات معرضة في المستقبل إلى خسائر بالغة، من جراء "كورونا". في إيطاليا يجري الحديث عن كل شيء طبعا، بما في ذلك ظهور قناعات بضرورة العودة إلى "اقتصاد المقايضة"، وهذا النوع من الأفكار يظهر عادة في الأزمات الكبرى، بما في ذلك الحروب، التي تقطع كل شيء عن المجتمع. لكن الأمر لم يصل بعد إلى هذا المستوى، سواء في بلد؛ كإيطاليا أو غيره، رغم الأضرار الفاحشة التي ضربتها بشريا واقتصاديا واجتماعيا. كل ما هو موجود على الساحة حاليا، ليس إلا تدخل الحكومات لإنقاذ المؤسسات والشركات، التي لا تسمح هذه الحكومات عادة بتعرضها للانهيار. والأهم من هذا، إنقاذ المجتمع عن طريق توفير الرواتب الشهرية للموظفين، الذين أجبروا على الجلوس في منازلهم، لحصر "كورونا" في أضيق الأماكن الممكنة، وتخفيف الضغط عن قوى الرعاية الصحية في جميع البلدان دون استثناء. لا شك في أن الحزمة، التي وافق عليها مجلس الشيوخ الأمريكي، لإنقاذ اقتصاد البلاد، تصدرت المشهد العالمي، من جهة قيمتها. وهذه القيمة قابلة للزيادة في المستقبل القريب، إذا ما استمر الفشل في الحد من الوباء، أو في حال استمر عجز العلماء عن التوصل إلى لقاح له في أسرع وقت. وكما هو متوقع استجابت سوق نيويورك، التي تعرضت لخسائر تاريخية فادحة في الأسبوعين الماضيين، لحزمة الإنقاذ التي بلغت تريليوني دولار. والأمر نفسه بالنسبة للأسواق الأوروبية، التي وجدت متنفسا لها، عبر الحزم، التي أعلنتها حكوماتها، لحصر الأضرار الاقتصادية الناجمة عن ذلك الوباء القاتل. لكن السؤال يبقى حاضرا، وهو: إلى أي حد يمكن أن تستمر الاستجابة الإيجابية للأسواق؟ الجواب يبقى أيضا حاضرا، وهو أنه لا توجد ضمانات لذلك على الإطلاق. فحزم الإنقاذ، كما هو معروف، ليست مفتوحة تماما، كما أنها خاضعة لعوامل ومعايير سياسية. صحيح أن الحكومات تعمل بكل ما لديها من مساحة للحركة، من أجل الإبقاء على اقتصاداتها سائرة، وإن كانت متعثرة، لكن الصحيح أيضا، أن التدخل غير المشروط ليس له وجود على الساحة أصلا. ببساطة نحن نتجه إلى ساحة الاستحواذ أو التأميم أو الملكية العامة، وكلها أسماء لمعنى واحد. مع زيادة في حزمة الإنقاذ هناك تقدم للأسواق، لكنه يبقى تقدما آنيا؛ لأن التطورات التي يوجدها وباء "كورونا" المستجد، لا أحد يسيطر عليها حاليا، بما في ذلك الدول الكبرى. فطالما أن الوباء خارج عن السيطرة، فإن كل شيء معلق به، وبآثاره ومستجداته. ويتم الآن رسم الاستراتيجيات الاقتصادية فوق تطورات الوباء، وليس على أساس الاستراتيجيات التي وضعت قبل انتشار "كورونا" القاتل.

إنشرها