default Author

ماذا يعني «كوفيد - 19» بالنسبة إلى التعاون الدولي؟ «1من 2»

|

غالبا ما اقترنت الأزمات، على مر التاريخ، بالتقدم البشري. إذ في حين أن وباء "كوفيد - 19" المتنامي، يمكن أن يعزز النزعة القومية والانعزالية، ويسرع من التراجع عن العولمة، يمكن أيضا أن يحفز تفشي المرض، موجة جديدة من التعاون الدولي على غرار ذلك الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية.

وقد يصبح "كوفيد - 19" ليس مجرد أزمة صحية هائلة، بل أيضا أزمة عولمة وحكم عالمي. ومن الواضح أنه يطرح السؤال عن الطريقة التي ينبغي للعالم عن طريقها، تنظيم نفسه ضد تهديد الأوبئة. لكنه ينعكس أيضا على طريقة تصور العولمة، وأهمية هذا التصور بالنسبة إلى مستقبل التعاون الدولي.
لقد فتحت خمسة عقود من الترابط المتزايد، العالم أمام التدفقات الهائلة عبر الحدود للسلع، والخدمات، والأموال، والأفكار، والبيانات، والأشخاص. وفي حين أن العولمة بحد ذاتها ليست جديدة، إلا أن الحجم الهائل لنسختها الحالية ونطاقها، جعلا العالم مترابطا بشكل غير مسبوق.
وتبدو البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية العالمية اليوم، كأنها شبكات محاور التجميع ومسارات التوزيع، يتم من خلالها فصل كل المحاور بمسافات قصيرة جدا، وتتمركز الوظائف الأساسية في مراكز كبيرة. إذ يتركز النشاط المالي في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بينما تعد الصين مركز التصنيع في العالم. وهذا الهيكل موجه نحو زيادة الكفاءة، عن طريق تحصيل فوائد اقتصادات الحجم والتخصص. وبالفعل، لقد ساعد ذلك على انتشال ملايين الناس من براثن الفقر - رغم أنه أدى أيضا إلى زيادة عدم المساواة في الدخل، والشعور بالضيق الاجتماعي في عديد من البلدان.
مع ذلك، فإن الاتصال يشكل خطرا كبيرا - لكنه يكون خفيا في كثير من الأحيان - بوقوع كارثة ما. وذلك لأن الاتصال يزيد مما يسميه الإحصائيون "المخاطر القليلة الاحتمال ذات التأثير القوي"، أو احتمال وقوع أحداث متطرفة لا يمكن تحديدها بطبيعتها، مثل الأزمات المالية، والمحرقة النووية، والذكاء الاصطناعي العدائي، والاحتباس الحراري العالمي، والتكنولوجيا الأحيائية المدمرة، والأوبئة.
ونظرا إلى كون الأدوار الوظيفية الأساسية شديدة التركيز، وكون الشبكة بأكملها مرتبطة بإحكام شديد، فإن الصدمات الموجهة نحو المحور المركزي مثل الولايات المتحدة أو الصين، يمكن أن تصبح شاملة ومشلة للنظام، بسرعة. إذ يولد الاعتماد على المحاور المركزية مخاطر شاملة، لأن المحاور تشكل نقاط فشل واحدة، والترابط المحكم بين المحاور والفروع يزيد من احتمال حدوث إخفاقات متتالية. وهذا هو السبب في كون الانهيار المالي لعام 2008، الذي نشأ في الولايات المتحدة، كان مدمرا للغاية، ولهذا السبب سرعان ما أصبح تفشي "كوفيد - 19"، الذي بدأ في الصين، أزمة صحية واقتصادية عالمية.
ومن المرجح أن ينشأ اتجاهان سياسيان مختلفان من هذه الكارثة التي بدأت تتجلى للعيان.
الأول، قد تؤدي الأزمة إلى تحركات للحد من الترابط العالمي، بما في ذلك السفر، والتجارة، والتدفقات المالية، والرقمية، والبيانات. وقد يطلب الناس تلقائيا مزيدا من العزلة في عديد من المجالات. إن البحث عن الحماية من خلال العزلة الشاملة سيكون مضللا، وسيؤدي إلى نتائج عكسية. لكن في هذه الحالة، يمكن للمجتمعات حقا، المساعدة على احتواء تهديد "كوفيد - 19" عن طريق التقليل بشكل متواصل من ترابطها، من خلال تدابير التخفيف التي تزيد من المسافة الاجتماعية، مثل إغلاق المدارس والمحال التجارية، وحظر التجمعات العامة، ووضع قيود على وسائل النقل العام أثناء استمرار الأزمة.
وستكون لهذه الخطوات القاسية تكاليف اقتصادية واجتماعية مرتفعة على المدى القصير، وستطرح تحديات عملية وأخلاقية لا يمكن إنكارها. وقد يتضح بعد فوات الأوان أنها غير ضرورية. لكن لأنه لا يمكننا التنبؤ بانتشار "كوفيد - 19"، تتطلب الأزمة اتخاذ إجراءات قوية في وقت مبكر. وكما يشير نسيم نيكولاس، عالم الرياضيات وخبير المخاطر، نظرا إلى كون النمو الأسي يبدو في البداية خطيا بشكل مخادع، فإن الإفراط في رد الفعل من جانب صانعي السياسة، ليس له ما يبرره فحسب، بل مطلوب أيضا... يتبع.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.

إنشرها