Author

الاقتصاد السعودي على مسار «الرؤية»

|

عندما تعمل أجهزة الدولة بتناغم كبير، وخاصة في جائحة عالمية كبرى مثل جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد - 19»، فإن الثقة العالمية بالدولة ومؤسساتها تتزايد، وشهد العالم كيفية إدارة الأزمة بنجاح حتى الآن بدءا من اللحظات الأولى لاكتشاف حالات مرضية قادمة من الخارج، وخاصة من إيران، رغم أن النظام الإيراني فشل -كعادته- في إظهار حسن النيّات، إذ لم يفصح النظام الإيراني عن دخول المواطنين السعوديين من خلال تأشير جوازات السفر؛ ما تسبب في وصول الفيروس إلى المملكة، لكن الحكومة السعودية تعاملت منذ اللحظات الأولى لظهور هذا الفيروس بمسؤولية كبيرة. ومع جميع الإجراءات التي تمت، فإن الاقتصاد مستقر بشكل يدعو إلى الإعجاب فعلا، ولعل هذا يعود -بشكل أساس- إلى سرعة تطبيق ميزانية طوارئ تدعم القطاعات المتضررة بسرعة؛ تلك الاستجابة السريعة لم تحدث في باقي دول العالم، إلا بعد تفشي الفيروس لديها بصورة سيئة؛ فالإجراءات الاقتصادية لا تقل أهمية عن حصار الفيروس؛ بل يجب أن تتم بشكل متواز، حتى لا تظهر أي تصرفات فزع أو خوف على السلع؛ ما يقود إلى ازدحام شديد على الأسواق، ويفاقم المرض ويساعد على انتشاره، لكن الحكومة السعودية -وبحنكة كبيرة- عملت على هذه الإجراءات معا؛ ما منح الناس فرصة واسعة للاستعداد للاحترازات، التي قامت بها الحكومة.

هذه الثقة، التي تمتعت بها الحكومة السعودية، اليوم، بين دول العالم كافة، انعكست -بشكل جلي- على المواقف السياسية والقرارات الاقتصادية، فعلى الصعيد السياسي استطاعت المملكة دعوة دول العشرين إلى اجتماع عاجل، وخلال أقل من أسبوع وافق الجميع، وأعدت التجهيزات في جميع دول العالم، ونجح الاجتماع فعلا في دعم الاقتصاد العالمي بما يزيد على خمسة تريليونات دولار، وضمان الإمدادات والمساعدات والاتفاق على جعل مسألة القضاء على المرض أولوية عالمية. هذا النجاح السياسي غير المسبوق؛ لم يكن ليتحقق لو أن الحكومة السعودية فشلت في اتخاذ الإجراءات الاحترازية في وقتها الصحيح أو أنها كررت أخطاء الأنظمة، التي أخفت مدى تفشي الفيروس فيها حتى أفاق العالم، وقد عم فيه الوباء.
على الصعيد الاقتصادي، السعودية اليوم تتمتع بثقة كبيرة وجد صداها في التصنيفات الائتمانية، فوكالة ستاندرد آند بورز، وضعت تصنيف المملكة الائتماني عند (A-/A2) مع نظرة مستقبلية مستقرة؛ ما يمنح القرار الاقتصادي السعودي ثقة المؤسسات الاستثمارية، التي تبحث عن ملاذات آمنة حقيقية، ولا أدل على أن المملكة اليوم تمثل ملاذا آمنا للاستثمارات من نجاح وزارة المالية في إقفال طرح ثالث من إصداراتها المحلية للعام الجاري 2020 تحت برنامج الصكوك المحلية بالريال السعودي، فقد أعلنت وزارة المالية، الخميس الماضي، انتهاء استقبال طلبات المستثمرين على إصدارها المحلي لشهر آذار (مارس)، الذي حدد حجمه بمبلغ إجمالي يزيد على 15 مليار ريال، مقسمة إلى ثلاث شرائح: الأولى تبلغ 170 مليون ريال لصكوك تستحق عام 2025، والشريحة الثانية تبلغ 504 ملايين ريال، بينما تبلغ الشريحة الثالثة 14.894 مليار ريال تستحق عام 2050. كما أعلنت الوزارة، أن الإقبال على إصدار شهر آذار (مارس) الحالي، ارتفع عن إصدار شباط (فبراير) من العام الجاري بنسبة 246 في المائة، وبنسبة 132 في المائة مقارنة بطرح كانون الثاني (يناير)؛ ما يدل بشكل لا جدل فيه على أن الثقة بالاقتصاد السعودي تتصاعد، وأن ثقة المجتمع الاقتصادي كبيرة جدا بقوة ومتانة الاقتصاد السعودي ومرونته وقدرته على التعامل مع الصدمات ومواجهة التحديات الاقتصادية العالمية.
من اللافت، أن الحكومة السعودية قادرة على أن تحافظ على بوصلة التقدم نحو تحقيق مستهدفات "رؤية المملكة 2030"، وأن الخطط الاقتصادية تسير بشكل جيد ولم تتسبب أزمة «كورونا» في أي انحرافات جوهرية في المسار أو في تعطله؛ فالإصدارات ذات شرائح متنوعة بين متوسطة وطويلة الأجل، إنجاز جديد في تطبيق خطط لتنويع أدوات الدين المحلية والدولية من خلال إصدار صكوك متوافقة مع الشريعة الاسلامية، تهدف إلى تأمين احتياجات المملكة من التمويل بأفضل التكاليف الممكنة؛ فأسعار الفائدة الآن في مستويات تكاد تكون قياسية للفوز بالتمويل الجيد.           

إنشرها